د.مكرم رباح: عبد اللهيان والخلط بين مفهومَي الدبلوماسية والمقاومة…مقاومة إيران في سبيل تحرير فلسطين وشعوب المنطقة ليست إلا كذبة كبيرة

55

عبد اللهيان والخلط بين مفهومَي الدبلوماسية والمقاومة….
مقاومة إيران في سبيل تحرير فلسطين وشعوب المنطقة ليست إلا كذبة كبيرة
د.مكرم رباح/النهار العربي/11 تشرين الأول/2021

“إحذر من الغرباء الذين يحملون الهدايا”… مقولة شهيرة للشاعر الروماني فرجيل، وردت في ملحمته الشعرية “الإنيادة” حذر من خلالها الكاتب من الحصان الخشبي الذي تُرك على عتبة جدران مدينة طروادة وعاث بالأرض موتاً ودماراً. لو تسنى لفرجيل أن يشهد المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في وزارة الخارجية اللبنانية في منطقة الأشرفية لكان أعاد إسقاط مقولته على المشهد المسرحي وحذر الحاضرين من عواقب التفاؤل بهدايا رئيس الدبلوماسية الإيرانية للشعب اللبناني وزعمه بناء معملَين لتوليد الطاقة الكهربائية في بيروت والجنوب.

 من حيث المبدأ، إن زيارة أي ضيف غير لبناني مرحباً بها لا سيما أن لبنان هو عاجز حالياً عن رفض أي مساعدة من أي جهة أتت، وتعهّد إيران بمساعدة لبنان هو بادرة يشكر عليها. لكن هدايا عبد اللهيان المفخخة والوهمية لن تأتي بالخير على لبنان بل ستزيد من سيطرة إيران وحرسها الثوري على ما تبقى من الفكرة اللبنانية.

 قد تكمن المشكلة الأساسية في التعريف الخاطئ الذي تتبعه إيران وأزلامها لمفهومي الدبلوماسية والمقاومة. عبد اللهيان وأقرانه السابقون وعلى رأسهم محمد جواد ظريف لا يفوتون فرصة من دون تذكير العالم واللبنانيين بثقافتهم التوسعية والعنصرية تجاه أبناء المنطقة، بل إنهم يبحثون عن فرص الإبقاء على لبنان أسير محور الممانعة و”المقاومة” الفقير المعدوم والضحل فكرياً وثقافياً. فمن منبر وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية قام عبد اللهيان بتوجيه التحية لذكرى وأرواح قادة المقاومة الإسلامية ومن بينهم قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس اللذان تمت تصفيتهما من قبل إدارة دونالد ترامب، تلك الإدارة التي قررت مكافحة الإرهاب في بيئتيه السنية والشيعية. تصريح عبد اللهيان غير الدبلوماسي لا يصح لأكثر من سبب، لعل أبرزهم تورط “حزب الله” وإيران الى جانب نظام الأسد بتخزين النيترات في مرفأ بيروت وتفجير الشطر الشرقي من العاصمة، لا سيما قصر بسترس مقر الخارجية، وقتل المئات من الأبرياء.

إن إيران بثقافتها الإمبريالية التي تعود إلى قرون لم تقم بتحديث منهجها الدبلوماسي واستمرت باستخدام الدبلوماسيين من أمثال عبد اللهيان كمندوبين عسكريين ساميين إنما ببدلات مدنية. أما كلامهم المعسول واللطيف فهو ليس إلا مسرحية هزلية لإقناع الشعوب الراسخة تحت احتلالها أنها واحدة من القوى العظمى القادرة على مدّهم بالكهرباء والمازوت في وقت يعاني فيه شعبها من الحرمان والفقر بسبب فساد “الحرس الثوري” وسيطرته على الاقتصاد الإيراني.

والسردية الهرطوقية التي رددها عبد اللهيان خلال زيارته اللبنانية وكان فنّدها قبله حسن نصر الله حول تعرض لبنان للحصار بسبب وقوفه الى جانب إيران وحول رغبة الجمهورية الإسلامية بمساعدة لبنان على فك هذا الحصار لا تمت للواقع بصلة. فالحصار أنتجته سيطرة السلاح الإيراني على الدولة اللبنانية عبر تحالفها الشيطاني مع الطبقة الحاكمة الفاسدة وعلى رأسها جبران باسيل، الأمر الذي دفع العديد من الدول العربية الصديقة إلى عدم الاكتراث لمصير لبنان. ابتسامة عبد اللهيان الصفراوية وشعره المصفف لا يخفيا حقيقة أن الناطق الرسمي باسم إيران هو حسن نصر الله الذي يترأس الفصيل اللبناني لـ”الحرس الثوري”، وأن الدبلوماسية الحقيقية واحترام سيادة لبنان تبدأ من الإيعاز لنصر الله بعدم توريط لبنان في لعبة الأمم لا سيما المشروع الإيراني التوسعي الذي لا حدود لتطرفه ومغامراته الإقليمية.

كبوة إيران الثانية تكمن في تعريف المقاومة حيث تحول مبدأ مقاومة الظلم وتحرير الأرض من المحتل المقدّس إلى ذريعة يستخدمها المحور الإيراني لاستبدال الاحتلال الاسرائيلي بآخر إيراني فارسي يرى الأولوية لمصلحة إيران ومشروعها على حساب المصلحة الوطنية للبلدان التي تقبع تحت احتلاله.

مقاومة إيران في سبيل تحرير فلسطين وشعوب المنطقة ليست إلا كذبة كبيرة، فقد أثبتت التجارب أن إيران تدّعي نصرة الشعوب المستضعفة والفقيرة في حين أنها هي نفسها مسؤولة عن وضعهم المزري. والأسوأ من موقف إيران هو موقف أبواقه الكثيرة التي لا تفوت فرصة من دون تذكيرنا أن الشعب الإيراني شعب عظيم وأن الحضارة الفارسية تمتد لقرون وتشمل شعوباً عدة، ملوّحة إلى أن أي انتقاد لتصرفات إيران في المنطقة هو تصرف عنصري وانتقاص من عظمتها. في الحقيقة إن الشعب الإيراني هو شعب عظيم ولكن الطبقة التي تحكمه كما هو حال الطبقة الحاكمة في لبنان وضيعة ومتسلطة وضحلة فكرياً، وأبواقها المنتشرة عبر وسائل الإعلام تجهل أن المصانع والقوى العسكرية لا تصنع دولة، فما يصنع الدول العظمى ليس حربة مقاتليه فقط بل الأبحاث والانتاجات الفكرية التي تغيب للأسف عن أي بلد من بلدان الممانعة من كوريا الشمالية الى إيران.  نشوة السلاح والقوى قد تسمح لعبد اللهيان بزيارة مستعمراته المنتشرة في المنطقة لكنها لن تمكّنه، رغم “دبلوماسيته ومقاومته”، من جعل مفاهيمه الخاطئة ثقافة قابلة للحياة. وفي حال قرر الشعب اللبناني قبول تلك الهدايا “اللهيانية”، فمن الأفضل له الاحتفاظ بالوصل وتبديله سريعاً كي لا يلقى مصير أهالي طروادة وجدرانهم الحصينة.