نديم قطيش/حكومة الدعس على النّاس

65

حكومة “الدعس” على النّاس
نديم قطيش/أساس ميديا/16 أيلول 2021

إنّها ببساطة شديدة حكومة “الدعس على الناس”. شكّلت المنظومة السياسية، بتواطؤ خارجيّ مُعلَن، الحكومة التي تريد القول للناس إنّ شيئاً لم يتغيّر في لبنان ما بعد 17 تشرين الأول 2019. ولا شيء تغيّر بعد انفجار 4 آب 2020. ولا شيء سيتغيّر بعد أيّ يوم من أيّام البؤس التي تملأ روزنامة اللبنانيّين.

لا يكتفي المجرمون بتسييد التفاهة والدعس على الناس، بل يريدون تبديد “الاحتياط الإلزامي” الباقي من الكفاءة والنزاهة والسمعة الطيّبة لبعض الشبيبة اللبنانية، كما بدّدوا كلّ الاحتياطات الأخرى في رصيد لبنان.

شكّلت المنظومة حكومةً تقول للناس “نحن هنا والأمر لنا”. محاصصة مقزّزة لم تسعَ حتّى إلى سَتْر عوراتها. شكّلوا الحكومة التي تقول من الآن إنّ صورة هذه الحكومة هي صورة المجلس النيابي المقبل، ولن تغيِّروا شيئاً في تركيبة قوى السلطة… حتى بشّار الأسد حظي بوزير واحد على الأقلّ!

انتصر رياض سلامة بالاستحواذ على وزارة المال لأحد أعوانه. رمزيّة التوزير أهمّ من أيّ بحث آخر في الكفاءة والاستحقاق أو عدمهما. رمزيّة التوزير تقول للناس، التي ضاعت مدّخراتها ومستقبلها تحت غطاء “الليرة بألف خير”، إنّ ما ضاع منكم أقلّ بكثير من ثمن كرامة رياض سلامة وسمعته ورصيده التي تستوجب توزير أحد مساعديه. صحيح أنّ سلامة لا يتحمّل وحده مسؤوليّة الانهيار، أو جلّه، لكنّه في عيون الناس، وفي ضوء الوقائع الماليّة والاقتصادية والنقدية، مسؤول كبير عن الانهيار بما لا يدع مجالاً للشكّ. كيف يُؤتى من مدرسة الانهيار هذه بِمَن تُوكل إليه مهمّة الخروج من الانهيار، ما لم يكن بقوّة “الدعس على الناس”؟ انتصر قائد محور جهنّم، الرئيس الراحل ميشال عون، بتحقيق الجزء الأكبر من “مطالبه وحقوقه”، محتفظاً، لا بوزارات سياديّة قاتل من أجلها، بل بوزارة الطاقة، أي العنوان الأبرز للانهيار اللبناني، والترجمة الأدقّ للمسار الفضائحي لتيّار عون، وعلامة الفشل الأوضح في تاريخ العونيّة الجهنّميّة، والمحرقة التي بدّدت دولارات اللبنانيين، قبل أن ننتهي جميعاً بلا كهرباء ولا دولارات….
كيف تُوكَل وزارة الطاقة إلى تيّار العتم، بعد كلّ ما حصل، ما لم يكن بقوّة “الدعس على الناس”؟

حزب الله غير الباحث عن انتصارات في الحكومة، إلا حيث يكون الانتصار فيها انتصاراً على الخارج، كمعركة وزارة الصحّة في الحكومة السابقة، نال ضمن حصّته وزارة الثقافة.. تخيّلوا! وزارة تبوّأها يوماً غسان سلامة، وعبرها صنع نجاح القمّة الفرنكوفونية، أو طارق متري، أو المرحوم ميشال إدّه، تؤول اليوم إلى وزير تسمّيه ميليشيا مسلّحة! في تاريخ الوزارة متطفّلون بلا شكّ، وسماسرة بيوت تراثية معروفون بالاسم، بيد أنّها لم تنحدر يوماً إلى حدود أن تسمّي ميليشيا مسلّحة وزير ثقافة لبنان.

كيف يكون ذلك لولا قوّة “الدعس على الناس”. ثمّ ما هي الرسالة التي أُريد توجيهها إلى الشباب اللبناني الذي يتسابق على الهجرة إلى أيّ بقعة قابلة وقادرة على استيعاب اللبنانيين؟ مَن هم هؤلاء الوزراء الذين بعضهم “صغارات” معروفة بين اللبنانيين… ما هي الرسالة؟ أن لا تجتهدوا، ولا تتعبوا ولا تنجزوا، بل التصقوا بزعيم أو نصف زعيم، أو ربع مرجعيّة، أو انخرطوا في شبكة فساد لضمان مقعد لاحق في حكومة أو منصب عامّ؟

شكّلت المنظومة حكومةً تقول للناس “نحن هنا والأمر لنا”. محاصصة مقزّزة لم تسعَ حتّى إلى سَتْر عوراتها. شكّلوا الحكومة التي تقول من الآن إنّ صورة هذه الحكومة هي صورة المجلس النيابي المقبل، ولن تغيِّروا شيئاً في تركيبة قوى السلطة.

مَن هم هؤلاء.. أحد مهرّبي الاستيراد الموازي ممّن فرشوا بناية مرجعيّة.. آخر سكرتير مطيع… وتلك التي بكت يوم غادر جبران باسيل وزارة الخارجية، فقال لها “الزمكّ” إنّ دموعك لن تذهب سدىً!! أم ذاك المتدرّج الذي ليس في سجلّه أيّ منجز حقيقي وبين يديه المستقبل الاقتصادي للبنان واللبنانيين!!؟؟؟ ماذا تقول هذه الحكومة للشباب اللبناني المتسابق على الهجرة؟

لا يكتفي إجرام المنظومة السياسية بتوزير مَنْ توزيرُهم يمثِّل دعساً على الناس، بل “يتصلبطون” حتى على الناصع الناصع في تجارب البعض، بغية “تبييض سمعة” المنظومة.. هل نصدّق للحظة أنّهم مهتمّون بكفاءة الشاب اللامع فراس أبيض الذي أمضى سنتين على تخوم الموت يوميّاً في مواجهة كورونا، أم يريدون من توزير أبيض “تبييض” سمعتهم وصورتهم وصيتهم؟

هل يريدون من ناصر ياسين كفاءته الأكاديمية ورجاحة عقله واتّزان بحثه، أم يريدون التسلّق على نزاهته من قعرهم؟
لا يكتفي المجرمون بتسييد التفاهة والدعس على الناس، بل يريدون تبديد “الاحتياط الإلزامي” الباقي من الكفاءة والنزاهة والسمعة الطيّبة لبعض الشبيبة اللبنانية، كما بدّدوا كلّ الاحتياطات الأخرى في رصيد لبنان. إنّها حكومة انتصار المنظومة على الناس، وإعادة إنتاج ميزان القوى بينها وبينهم. حكومة تذكِّر مَن ينبغي تذكيره بأنّ البلد مصادَر، وآليّات حكمه ثابتة، وأن لا رهان للناس إلّا على الهجرة.. ألم يقُل لنا الجهنّميّ الأوّل… إلّي مش عاجبوا يفِلّ؟ أقلّه كان صادقاً.