الحلقة السادسة من كتاب الكولونيل شربل بركات الجديد: “لبنان الذي نهوى”/عناوين حلقة اليوم: الانقلاب السوري وقوات الردع/عملية الليطاني ودخول اليونيفيل/حرب المئة يوم ونتائجها

518

الحلقة السادسة من كتاب الكولونيل شربل بركات الجديد: “لبنان الذي نهوى”… بحث سياسي لمرحلة المئة عام من تاريخ لبنان الكبير

عناوين حلقة اليوم

الانقلاب السوري وقوات الردع

عملية الليطاني ودخول اليونيفيل

حرب المئة يوم ونتائجها

05 أيلول/2021

أضغط هنا لقراءة الحلقة الأولى من كتاب الكولونيل شربل بركات الجديد: “لبنان الذي نهوى”

أضغط هنا لقراءة الحلقة الثانية من كتاب الكولونيل شربل بركات الجديد: “لبنان الذي نهوى”

أضغط هنا لقراءة الحلقة الثالثة من كتاب الكولونيل شربل بركات الجديد: “لبنان الذي نهوى”

أضغط هنا لقراءة الحلقة الرابعة من كتاب الكولونيل شربل بركات الجديد: “لبنان الذي نهوى”

أضغط هنا لقراءة الحلقة الخامسة من كتاب الكولونيل شربل بركات الجديد: “لبنان الذي نهوى”

الانقلاب السوري وقوات الردع
في حزيران 1976 بعد أن رأى الرئيس الأسد بأن لبنان لايزال قائما وبأن كل مخططاته وأعمال عرفات منيت بالفشل وأنه لم يتمكن من القضاء على الكيان اللبناني، وخاصة عندما رأى بأم العين بأن هذا الشعب الذي حاول الجميع قطع أوصاله ما لبث أن انتفض وتجمّع ونظّم نفسه، حتى بعدم وجود مصدر للسلاح أو مساندة دولية، شعر بأنه يجب أن يغيّر خطته. وبعدما علم بأن الاسرائيليين بدأوا يرسلون الأسلحة والذخائر عرف بأن هذا قد يجر لقيام دولة ستكون من لون واحد وتفوق اسرائيل في مواجهة البعث وستسقط كل الأحلام بالسيطرة على لبنان. لا بل من الممكن أن يصبح لبنان قوة جديدة على حدود سوريا ستقضي على مشروع عرفات الذي كان يهدد بواسطته العرب ويبتذ الغرب ويتلاعب بما يسمى القضية الفلسطينية. من هنا انقلب فجأة على عرفات وأعوانه في الخطاب الشهير الذي ألقاه في جامعة دمشق في حزيران 1976 حيث قال بأنه كان يعتقد بأن عرفات مظلوم فإذا به يكتشف بأنه يريد حكم لبنان والسيطرة عليه، وبأن جنبلاط لم ينسَ الحقد الذي يحمله على المسيحيين منذ مئات السنين، وبأنه أمر بدخول القوات السورية بدون طلب الأذن من أحد، ولكنه يخاف من أن الدفع باتجاه حشر المسيحيين سيؤدي إلى قيام “دولة المقهورين” وهذا لب الموضوع. كان هذا الكلام مدغدغا لغرور اللبنانيين فاعتقدوا بأن السوريين ممكن أن يكونوا صادقين ولما لا يتقربون منهم للمساعدة على التخلص من عرفات؟
اتصل الأسد بصديقه فرنجية، ولو أن فرنجية لم يكن قد نسي بعد تهديدات الأسد يوم دخل الجيش اللبناني المدينة الرياضية ولا يوم كان ينوي ضرب مهاجمي الدامور، وأن من هجر الدامور وبيت ملات وغيرها من القرى وقام بأعمال ابادة هي منظمة الصاعقة التي تتبع لسوريا، ولكنه أعتقد بأن التوجه نحو السلم يبقى أفضل من المواجهة، ولذا قرر أن يتكلم بالموضوع مع أركان الجبهة اللبنانية. لم يكتف الأسد بالاتصال بفرنجية ولكنه أتصل ايضا بالملك السعودي وشرح له مخاوفه من سقوط لبنان بيد عرفات ودفع المسيحيين فيه نحو اليأس والخيارات الصعبة والتي ستجد عاجلا أم آجلا صدى لها في المجتمعات الغربية ما سيؤدي إلى اسرائيل ثانية نحن بغنى عنها. ومن هنا بدأت التحضيرات لاجتماع قمة عربية لدرس الوضع في لبنان والسعي إلى التوصل إلى حل. وقد اجتمعت هذه القمة وبنتيجتها تقرر ارسال قوات ردع عربية لتفصل بين المتقاتلين وتعيد أجواء السلم الأهلي.
كانت التطورات التي لحقت بهذا الخطاب تدعو إلى التفاؤل فقد تمكنت القوى اللبنانية من تحرير مخيمي تل الزعتر وجسر الباشا من قوات عرفات ولو بعد معارك ضارية استبسل فيها المقاتلون وتم التنسيق مع الجيش ومختلف القوى المقاتلة ولكن الأعمال الحربية بقيت طيلة أكثر من خمسين يوما. وبسقوط هذا المخيم تحررت المناطق الشرقية من بيروت ونزع من بينها ذلك العبئ الثقيل الذي كان يقطع الطرق ويحصي الأنفاس. ولكن الأهم كان بأن هالة عرفات التي منيت بخسارة كبيرة في معركة شكا واصلت هبوطها بعد سقوط تل الزعتر وبدأ بعض اللبنانيين خاصة من عشائر البقاع بالاتصال بالقوى اللبنانية الحرة عارضين التعاون معهم للانتهاء من سيطرة الفلسطينيين. وهكذا كانت هذه الفترة بداية تحول في مسار القضية اللبنانية. ومن جملة هذه التحولات الزيارات التي قام بها بعض القادة إلى اسرائيل ومنهم الرئيس الشهيد الشيخ بشير الجميل والذي لم يكتف بزيارة الاسرائيليين لشكرهم على المساعدات العسكرية والاتفاق حول المزيد مما تحتاجه المناطق الحرة من لبنان، أنما زار أيضا الحدود اللبنانية واستدعى زعماء القرى وممثلي الأهالي ليطمئنهم بأن التعاون بين اللبنانيين واسرائيل اصبح طبيعيا وأن التاريخ والمستقبل سيكون من الجنوب باتجاه الشمال وهذا ما شجع الأهالي على التمسك بالأرض والاستعداد للدفاع عنها ولو كان جماعة عرفات لا يزالون يحيطون بكل القرى يومها.
كانت هذه المرحلة دقيقة جدا فصحيح أن وجود السوريين يمكن أن يكون منع عرفات من مهاجمة المناطق الحرة في تلك الفترة ولكنهم على ما يبدو كانوا يدرسون وضع هذه المناطق وكيفية السيطرة عليها بشكل مباشر وتحت غطاء قوات الردع التي كانوا ينوون أن يستظلوها. من هنا فقد أعطوا المسيحيين بعض الثقة بالنفس لكي يعرفوا القدرات الحقيقية والتحضيرات ويتمكنوا من احباط أي مشروع للتخلص من سيطرتهم لاحقا. وهكذا فقد انعقد مؤتمر عربي مصغر في الرياض حضره، إلى جانب سوريا والسعودية، مصر والكويت ولبنان والمنظمة الفلسطينية وقد وضعت فيه المقررات التي سيتخذها المؤتمر الموسع الذي سيجري في القاهرة بعد أيام.
بعد مؤتمر الرياض الذي جرى في 16 تشرين الأول وقبل أن ينعقد مؤتمر القمة في القاهرة ( وقد انعقد في 25 تشرين أول) الذي سيثبت مشروع الردع قامت جماعات عرفات والخطيب وكل التوابع في 21 تشرين أول من تلك السنة 1976 بالهجوم على قرية معزولة في الجنوب تقع على الطريق بين جزين والنبطية في جبل الريحان وهي قرية العيشية حيث صمد الأهالي طيلة النهار في الدفاع عن قريتهم ولكنهم لم يجدوا من يضغط لوقف ذلك الهجوم، وهنا بدأنا نرى تحول السوريين من مسايرة المسيحيين إلى العودة لاطلاق يد عرفات وجماعته، فدخلوا القرية حيث ارتكبوا مجزرة كبيرة فيها راح ضحيتها أكثر من أربعين شهيدا واضطر من بقي على قيد الحياة إلى الهرب باتجاه مرجعيون. وقد أخليت القرية من سكانها وبقيت عرضة للسلب والنهب حتى وصول قوات الردع بعد حوالي الشهر وتمركزها فيها. ولم يسمح للأهالي بالعودة إلى بيوتهم طيلة وجود القوات السورية في البلدة وحتى تحررت بدخول اسرائيل سنة 1982 واندحار سورية وتراجعها إلى خط الشام.
بعد انعقاد مؤتمر جامعة الدول العربية في القاهرة من أجل لبنان كانت كلمة السر بين كل القوى العربية هي عدم الكلام على اي تعاون مع اسرائيل ما يجب على اللبنانيين أن ينكروه. من هنا توجس البعض شرا وبدأ المنظورون من اللبنانيين ينكرون التعاون مع الاسرائيليين ويحاولون ابقاءه سريا قدر الامكان، ومن هنا كان يجب أن يتنظم العمل في المناطق المحازية للحدود لمنع العودة إلى مسلسل العنف عبرها. فأرسل الرائد سعد حداد ابن مرجعيون لقيادة المنطقة الحدودية وكان شرطه اعادة احتلال ثكنة مرجعيون. فقام تجمع القليعة الذي كان بأمرة النقيب عدنان الحمصي باحتلال الثكنة قبل وصول الرائد حداد الذي أعاد تنظيم الوحدات العسكرية في المنطقة. وكان الارتباط مع القيادة يتم بواسطة الشعبة الثانية والاتصالات اللاسلكية.
كانت مقررات القمة العربية قد أطلقت يد سورية في لبنان وسمت قواتها بقوات الردع العربية وتألفت هذه القوات من 25 ألف جندي سوري بالاضافة إلى خمسة آلاف من وحدات سعودية وامارتية وسودانية انتشرت في المناطق اللبنانية. في تموز 1977 أعلنت هذه القوات عن اتفاق مع ما أسمته الاحزاب اللبنانية والفلسطينية لسحب عناصرها حتى مسافة 15 كلم من الحدود اللبنانية الاسرائيلية وبالتالي أرسلت قيادة الجيش الرائد سامي الشدياق لقيادة تجمع رميش العسكري اي القطاع الغربي من الحدود ليصبح هناك منظقتين تابعتين لقيادة الجيش اللبناني واحدة في الشرق بقيادة الرائد حداد وواحدة بالغرب بقيادة الرائد شدياق وذلك لمنع اي تجاوزات عبرها بالرغم من أن الطرق بين هذه المناطق والعاصمة بقيت مقطوعة على العسكريين وغير آمنة للمدنين.
في التاسع من تشرين أول 1977 أعلن الرئيس المصري أنور السادات عن رغبته بزيارة اسرائيل أمام مجلس الشعب المصري في افتتاح دورته العادية متجاوزا كل الوساطات الدولية. وفي السادس عشر من الشهر نفسه تلقى دعوة رسمية من رئيس الوزراء الأسرائيلي مناحيم بيغن لزيارة اسرائيل. في اليوم الثاني اي السابع عشر رد السادات بقبوله الدعوة وعين موعد زيارته في التاسع عشر من الشهر نفسه. وتمت الزيارة التاريخية وجرى استقبال شعبي مهيب للرئيس السادات في تل ابيب وقام بزيارة الكنيست الاسرائيلي حيث القى خطاب السلام. ثم قام بالصلاة في المسجد الأقصى مع المصلين العاديين وأعلن بيغن أن اسرائيل ستنسحب إلى خط رفح شرم الشيخ فورا وتبدأ محادثات السلام مع مصر.
أمام ذهول العالم من هذه الخطوة الشجاعة للرئيس المصري وبدل أن يسانده الرئيس السوري كما فعل في حرب 1973 وتنتهي كل المعضلة، قام الرئيس الأسد بانشاء “جبهة الصمود والتصدي” لرفض ما سماه “الحلول الاستسلامية” وذلك اعتقادا منه بأنه سيقود العرب بغياب مصر.

عملية الليطاني ودخول اليونيفيل
عاش لبنان في ظل “قوات الردع العربية” وسرعان ما استبدل قائد هذه القوات اللواء أحمد الحاج بالرائد سامي الخطيب الذي كان أحد ضباط المكتب الثاني، وكان قد لجأ إلى سوريا عند محاكمة هؤلاء الضباط زمن حكومة صائب سلام، ما يعني بأنه أصبح أكثر طواعية من أحمد الحاج للقبول بما يمليه القائد الفعلي وهو قائد القوات السورية في لبنان، وتغطية عمل المخابرات السورية التي كانت تحضر لوائح بكل المقاتلين الذين تصدوا لعرفات وجماعته لاقتيادهم إلى سجون دمشق و”تربيتهم” كما يقال.
وقد كان بعض رموز المقاومة اللبنانية في المنطقة الشرقية رفضوا دخول الجيش السوري إلى لبنان كون سوريا كانت دوما وراء كل مصائب لبنان، ومن هؤلاء “أبو أرز” قائد حراس الأرز الذي اعتصم في جبال العاقورة كرمز لرفضه التدخل السوري. وكان الشيخ بشير أيضا من ضمن هؤلاء الرافضين ولكنه لم يجاهر برفضه لأن حزب الكتائب كان اتخذ قرارا بالقبول بالحل العربي ومبدأ قوات الردع.
بعد انتشار قوات الردع في المناطق اللبنانية تبين بأن دورها لم يكن وسطيا، وبأن المناوشات الأولى التي حصلت بينها وبين قوات عرفات خاصة في صيدا كانت أشبه بالتمثيلية، ومن ثم كانت المهمة الأساسية لهذه القوات السيطرة على لبنان والقضاء على المقاومة اللبنانية بحصرها من أجل تفتيتها فيما بعد. وقد منع أي اتصال بالاسرائيليين واضطر رموز مقاتلي القوات المعروفين لمغادرة المناطق الشرقية واللجوء إلى الجنوب عبر البحر ريثما تتوقف الملاحقات. وكانت الحواجز السورية تعتمد لوائح واضحة بأسماء كل من برز من المقاتلين لتوقيفه وسوقه إلى سجون دمشق.
في 2 شباط 1978 حصل اشتباك في الفياضية بين الجيش اللبناني وعناصر من الجيش السوري الذين اقاموا حاجزا على مدخل ثكنة الجيش ما اضطر النقيب سمير الأشقر قائد معسكر التدريب فيها للتدخل والطلب من السوريين نقل الحاجز فما كان من هؤلاء الذين تصرفوا بفوقية إلا اطلاق النار على الثكنة العسكرية، فوقع الاشتباك الذي دام طيلة النهار ومن ثم عاد واستمر في اليوم التالي بعد استقدام دبابات سورية لقصف الثكنة. ولكن الجيش اللبناني دافع عن مراكزه ببسالة ومن ثم وعندما سمع المقاتلون في المناطق الأخرى من بيروت بشدة الاشتباكات بين الجيش والسوريين حاول المناصرين للجيش النزول إلى الشارع وقطع بعض الطرق في عين الرمانة والاشرفية وما لبث الوضع أن هدأ ولكن بدون حسم أو اتفاق نهائي ما أبقى النيران مشتعلة تحت الرماد كما يقال.
وبعد أن استتب لهم الأمر وسيطروا على البلد بدأ السوريون التخطيط لاحتلال ما تبقى في الجنوب من أماكن حرة خارج سلطتهم وتحت قيادة الرائدين حداد وشدياق ومن هنا وفي شباط 1978 انتشرت فرقة من القوات الخاصة السورية ما يسمى “بقوات العاصفة” في المناطق المتاخمة للمنطقة الحدودية ودخلت مدينة بنت جبيل ومن ثم قامت باحتلال مارون الراس في عملية سريعة كانت نتيجتها سحل من قبض عليه من المقاومين في الطرق وجرهم مربوطين وراء السيارات من بنت جبيل إلى تبنين.
ومن جهة أخرى وفي 11 آذار 1978 قامت مجموعة من حركة فتح ومن بينهم دلال المغربي وأحد عشر عنصرا انطلقت من لبنان بحرا باختطاف باصين للركاب جنوب حيفا بلغ عدد المخطوفين فيهما 63 شخصا وطالبوا باطلاق سراح سجناء وانتهت العملية بمقتل الفلسطينيين و37 راكبا من ركاب الباصين ما دعى الجيش الاسرائيلي إلى القيام بعملية الليطاني لتنظيف المنطقة بين الحدود اللبنانية – الاسرائيلية ونهر الليطاني من القوات الفلسطينية.
نتيجة العملية الاسرائيلية كان قرار مجلس الأمن الدولي رقم 425 والذي يدعو إلى خروج القوات الاسرائيلية من لبنان واعادة بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها بمساعدة قوات دولية حملت اسم يونيفيل UNIFIL. ولذا فقد اتخذ مجلس النواب اللبناني قرارا بالاجماع استنادا إلى ما سمي النقاط الستة التي أوصت بها لجنة نيابية لدرس تنفيذ القرار 425 وشروط الأمم المتحدة ببسط سلطة الدولة كاملة على أراضيها والذي تضمنه القرار 426 المكمل للقرار 425، وقد تضمنت هذه النقاط انهاء الوجود المسلح على كامل الأراضي اللبنانية ومن ضمنها المخيمات الفلسطينية واشراف قوات الدولة بمساعدة قوات الردع وقوات الأمم المتحدة على التنفيذ الكامل. ولكن عرفات أعلن رفضه لهذا القرار مستندا إلى اتفاق القاهرة وبعد اجتماعه مع السوريين والرئيس الحص تم الضغط على الأخير للقبول بتنفيذ انتشار شكلي للجيش على الطريق الساحلي بين الزهراني والقاسمية تمهيدا لوصول القوات الدولية التي بدأت طلائعها بالنزول في بيروت. وقد كان السوريون تنبهوا لموضوع انهاء الوجود الفلسطيني المسلح والذي سيحرمهم من السيطرة على لبنان بعودة الدولة اللبنانية ومساندة المجتمع الدولي لها ما يقلّص هيمنتهم على البلد وكل مفاعيل الدعم العربي المالي لهم.
وكان الاسرائيليون قد انسحبوا من أغلب المناطق باتجاه الحدود ولكن تمنع تسليم الأمن للدولة أجبر الجيش اللبناني المسؤول عن المنطقة الحدودية، وخوفا من عودة الاختراقات للحدود وبالتالي سلسلة جديدة من التنازلات للمنظمات الفلسطينية وما يتبعها من ردات فعل اسرائيلية بغنى عنها، باتخاذ قرار بعدم تسليم الأمن في المنطقة لقوات الأمم المتحدة ريثما يتم على الأقل تأمين طريق مواصلات حر بين القيادة في بيروت والوحدات العسكرية في الجنوب ولملمة المنظمات إلى داخل المخيمات. وقد كان هذا الطلب لمساندة الدولة اللبنانية والضغط على السوريين والفلسطينيين للقبول بقرار الأمم المتحدة ومجلس النواب اللبناني. ولما تعنّت السوريون ورفضوا اي انتشار للجيش ولا حتى تأمين طريق حر بين بيروت والمنطقة الحدودية ورفض ياسر عرفات نزع سلاحه حتى في مدينة صور وضواحيها وتسليم الأمن فيها للقوات الدولية حيث كانت ترابط الكتيبة الفرنسية، قام الرائد حداد والرائد شدياق بالسيطرة على كامل المنطقة الحدودية الممتدة من مرجعيون إلى بيت عليان على البحر ومنع دخول قوات الأمم المتحدة ريثما تتم أقله عملية تأمين طريق حر بين القيادة والمنطقة الحدودية إذا لم يكن سيطرة الدولة الكاملة على البلد.
كان الاسرائيليون قد انسحبوا من لبنان وتمركزت بعض وحدات من القوات الدولية بمحازات المنطقة الحدودية بقصد الوصول حتى الحدود، ولكن أحداث صور التي جرت في الثالث من ايار 1978 والتي قتل وجرح فيها عدد من المظليين الفرنسيين والجنود السنغاليين الذين وقعوا هم أيضا في كمين للفلسطينيين وكان من بين الجرحى قائد الكتيبة الفرنسية الكولونيل سالفان، أدت إلى انسحاب الفرنسيين من جيب صور وتسليمه لعرفات وبالتالي تحويل مراكز اقامة الجنود والموظفين المدنيين التابعين لهذه القوات إلى الداخل الاسرائيلي كما كافة الأمور اللوجستية التي تحتاجها هذه القوات. وصار تموين وتغيير هذه القوات يتم عبر ميناء حيفا ومطار بن غوريون. من هنا كان على من في بيروت أن يفهم بأن المشكل لن يحل وأننا أمام معضلة جديدة لعودة القتال ابتداء من الجنوب.

حرب المئة يوم ونتائجها
بعد الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان بدأت القوات السورية الضغط على أفراد المقاومة اللبنانية وصار اعتقال من يمر على حواجزها ظاهرة طبيعية تتبعها اتصالات ووساطات لتحرير من يلقى القبض عليهم. وأصبحت المناطق الشرقية، وخاصة الأشرفية التي كان السوريون وعدوا بعدم الدخول إليها، تعج بمراكز وحدات التدخل والقوات السورية الخاصة. وبعد حادثة الفياضية بين الجيش اللبناني والسوريين، والتي لم يبقَ حي فيها لم تسيطر عليه قواتهم بالنار، زاد السوريون تحرشهم. ولم يعد وضع المنطقة يطاق كون الوحدات العسكرية السورية تتمركز بين البيوت وتشكل ضغطا على حياة السكان العادية خاصة الحواجز التي تقيمها واللوائح التي تفتش عن المقاتلين.
ثم قامت المخابرات السورية بمحاولة فسخ التحالفات بين المجموعات المسيحية. وهكذا تم اغتيال جود البايع مسؤول الكتائب في الشمال في الثامن من حزيران 1978 والذي أدى مقتله إلى اغتيال طوني فرنجية في الثالث عشر من الشهر نفسه وبذلك ربح السوريون السيطرة على الشمال اللبناني بدون منازع.
ليل الثلاثاء 27 حزيران 1978 ارتكبت الوحدات الخاصة السورية بقيادة الرائد علي ديب مجزرة رهيبة في بلدات القاع والفاكهة وراس بعلبك راح ضحيتها 26 شابا مسيحيا مسالما. هزت المجزرة البقاع الشمالي والوجدان المحلي والعالمي فدعت الجبهة اللبنانية إلى الأضراب نهار السبت الأول من تموز 1978 استنكارا لما جرى.
وهكذا في الأول من تموز 1978 يوم الأضراب سجل اقفالأ تاما لما كان يعرف بالمناطق الشرقية. وقرابة الظهر تواردت الأخبار عن توقيف الشيخ بشير الجميل نفسه ورئيس قسم الدامور الكتائبي أيلي قرداحي ومرافقين من قبل حاجز سوري وهم في طريقهم إلى الحدث، وبأنهم نقلوا إلى برج رزق في الأشرفية. بدأ الغليان ولم يخففه نبأ الافراج عن الشيخ بشير ورفاقه. وفي عصر اليوم نفسه قصفت القوات السورية بشكل عنيف وغير مبرر الأحياء السكنية في كل من الأشرفية وفرن الشباك وعين الرمانة وسن الفيل. ما أدى إلى انتشار المسلحين في الشوارع. وكان نهار الأحد 2 تموز 1978 يوما لم تشهده الحرب اللبنانية من القصف المدفعي والصاروخي الشديدين.
وقد تدخل البابا والأمين العام للأمم المتحدة مناديين بوقف المجذرة السورية دون استجابة وكان الوزير فؤاد بطرس وزير الخارجية آنذاك أبلغ رئيس الجمهورية أن القيادة السورية مصرة على تنفيذ قرار تجريد الميليشيات المسيحية من أسلحتها وبأنه اعترض بسبب عدم تجريد الجميع وخاصة المخيمات الفلسطينية فقد كان مجلس الوزراء طلب من القوات السورية تطبيق اتفاق شتورا القاضي باخضاع المخيمات الفلسطينية إلى سلطة القانون اللبناني ما لم ينفذ. ولما لم يلقى أي آذان صاغية قرر الرئيس سركيس الأستقالة من منصبه كونه لا يقدر على عمل اي شيء لوقف المذبحة. ولكن الجميع طلب منه الاستمرار في منصبه. وقد بقيت المنطقة تتعرض للقصف الشديد والذي توقف فجأة بعد أن خرقت سبع طائرات حربية اسرائيلية كانت تحلق على علو منخفض جدار الصوت فوق سماء بيروت. وعلى أثر ذلك أعلن المحلل العسكري في اذاعة اسرائيل بأن أحداث الشمال ستنعكس على الجنوب اللبناني وهو منطقة حيوية لاسرائيل.
ولكن عندما تأكد للسوريين بأن التهديد الاسرائيلي ليس جديا، وأن اسرائيل التي كانت خرجت من عملية الليطاني لن تدخل مجددا إلى لبنان، واصل الجيش السوري اعتداءاته وزاد قصفه للمناطق الشرقية مدة ثلاثة اشهر استعمل فيها كافة أنواع الأسلحة ومنها قدائف 240 ملم و160 ملم ولكن بعد كل هذا القصف والتدمير لم تستطع هذه القوات وقف المقاومة ولا قدرت على احتلال الأحياء واضطرت إلى الخضوع لقرار مجلس الأمن الدولي الذي اتخذ في 7 تشرين الأول وحمل الرقم 436 بعد جلسة لم تستغرق أكثر من اربع دقائق طلب فيها الوقف الفوري لاطلاق النار.
ساهم القرار 436 باخراج السوريين من المناطق الشرقية نهائيا واستبدالهم بقوات سعودية ما خفف العبئ على السكان المدنيين وساهم بحصول نوع من الهدوء والاستقرار أعادا شيئا فشيئا دورة الحياة الطبيعية.
بعد أن انتهاء حرب المئة يوم بدأ الضغط السوري يتزايد على الرئيس الحص رئيس الوزراء اللبناني يومها لانهاء اي تمرد على ارادة السوريين. وبالتالي وبما أنهم شعروا بفقدان السيطرة في جزء من البلاد ركزوا على الضغط في أمكنة أخرى ومن هنا فقد فرضوا عليه الرئيس الحص أهاء موضوع الوحدات المرابطة على الحدود الجنوبية وأمروه بقطع رواتب العسكريين في هذه الوحدات. ولذا فقد أعلن قراره بتجميد هذه الرواتب أبتداء من أول كانون الثاني 1979 ما دفع بالرئيس سركيس أن يشير الى اعتراضه على هذا القرار ضمن أحد خطاباته ألى اللبنانيين قائلا: “اننا بتوقيف هذه الرواتب نكون قد تخلينا لاسرائيل عن 500 من خيرة جنودنا”.
في نيسان 1979 وبمناسبة الاحتفال بانسحاب الاسرائيليين، وعلى بركة ميس الجبل أي نفس المكان الذي رفع الرائد حداد والرائد شدياق فيه العلم اللبناني إيذانا بخروج الجيش الاسرائيلي من لبنان منذ سنة، وبعد أربعة اشهر على توقيف رواتب العسكريين اللبنانيين في الجنوب، أعلن الرائد حداد ولادة “دولة لبنان الحر” وعاصمتها بيروت وقراره العمل على تحرير لبنان بكامله من السيطرة السورية والفلسطينية واعادة هيبة الدولة. وذلك كرد على خطوة الرئيس الحص بتوقيف رواتب العسكريين. ومنذ تلك اللحظة قام بالتنسيق المباشر مع الاسرائيليين حول تأمين المنطقة بكل ما تحتاجه واعتبار لبنان الحر هذا دولة صديقة تتعاون في كافة المجالات مع الدولة العبرية. وقام بتنظيم الادارة المدنية فيها بالاضافة إلى الأمن الداخلي وحماية الحدود.
لم تعلن اسرائيل اعترافها بدولة لبنان الحر ولكنها أنشأت وحدة ارتباط مع لبنان (سميت آدال أي آ-د-ل وهي الحروف الأولى لارتز – دروم – ليفانون ما يعني أرض – جنوب – لبنان) ومركزها بلدة المطلة الاسرائيلية وقوامها ضباط يهتمون بالأمور المدنية والأمور اللوجستية التي يتطلبها الجيش والتنسيق مع قيادته لتجنب اي اشكال أو حوادث عبر الحدود الدولية. وقد دعيت وحدات الجيش في هذه المنطقة “جيش لبنان الحر”. وهكذا سمح للبنانيين بالدخول إلى اسرائيل للتبضع أو السياحة خاصة الدينية وزيارة الأقارب بعد حصولهم على تصريح من جيش لبنان الحر، كما سمح للتجار بشراء كميات من المنتجات الاسرائيلية وبيعها في الأسواق اللبنانية لتوفير ما يحتاجه السكان، والسفر إلى الخارج عبر مطار تل أبيب. وقد وضعت على مداخل المنطقة باتجاه لبنان حواجز للتأكد من العابرين إليها وعدم تسلل من يخطط لتخريب الأجواء الأمنية فيها.

الصور في اسفل/3 صور هي لدخول قوات الردع العربية إلى لبنان/4 صور لحرب المئة يوم/صورتان لعملية الليطاني