الدكتورة رندا ماروني: دولة مؤسسات أم دولة عصابات

381

دولة مؤسسات أم دولة عصابات
الدكتورة رندا ماروني/30 أيلول/17

في كل الدول المتقدمة كما في الدول الساعية إلى الإلتحاق بها، يعتبر المجلس الدستوري الحجر الأساس في الرقابة على دستورية القوانين، التي قد تكون سابقة لنشرها، منعا لصدور أي قانون قد لا تتوافق أحكامه مع أحكام الدستور، الأمر الذي يعتبر معيارا قياسيا في قراءة طبيعة نظام ما بسهولة تراوحا بين القراءة الديمقراطية حتى القراءة الديكتاتورية منها. إذا المجالس الدستورية ليست بوصفة زائدة في الدول الديمقراطية بل هو أساس انضباط العمل المؤسساتي ومانعا لانحرافه نحو المجهول. فبعد تعرض المجلس الدستوري اللبناني لحملة مركزة طالت التشكيك بصلاحياته الطبيعية المعطاة له والمنصوص عنها في الدستور اللبناني، ألا وهي صلاحية الرقابة على دستورية القوانين، التي أتت بحسب أحكامه، لاحقة بعد الطعن أمامه بقانون ما، فكيف لمن أعطيت له هذه الصلاحية أي صلاحية الرقابة على دستورية القوانين أن ينزع منه حق تفسير الدستور، وكيف هو مخول بالحكم المبرم الذي لا يقبل المراجعة في أحكامه في هذه الحالة؟

هستيريا زعماتية نشهدها تنعكس سلبا على كل ما هو متعارف عليه ليصبح مشكوكا في أمره حتى في الأمور الواضحة والبسيطة الفهم والتي لا لبس فيها.

إن قرار المجلس الدستوري بإبطال قانون الضرائب واجهته عاصفة سياسية غير محقة شككت في صلاحياته وحقوقه المشروعة حسب أحكام الدستور لنرى مشهدا مبكيا مضحكا من هول وكم الشتائم والتحليلات اللامنطقية التي بحثت في خفايا وخلفيات القرار كما بحثت عن أسماء الشياطين الراعية لأنه لم يأت من الملائكة بحسب اقتناعها. وفي استيضاح من رئيس المجلس الدستوري قال بأنه عمل على البت السريع في قانون الطعن منعا لأي تدخلات سياسية فأتى الحكم قبل خمسة عشر يوما من انتهاء المهلة المسموح بها لاتخاذ القرار النهائي. لقد أتت نزاهة القرار لتربك الجو السياسي المشحون ولتتكهن بأسماء الشياطين، فأصبح الغريم السياسي العنيد للرئيس بري هو المقصود، ودارت التحليلات السياسية حول موضوع لا أساس له من الصحة لا من قريب أو من بعيد، فالموقعون على القانون معروفون كما الطاعنين به.

لقد أتى قرار المجلس الدستوري معللا بالشكل وبالمضمون وبناءا عليه اتهم هذا المجلس بأنه تطاول على صلاحيات المجلس النيابي وتجاوزها بما حكم، إلا أن هذه الاتهامات الموجهة للمجلس الدستوري أتت لا منطقية ولا دستورية للأسباب التالية:
إن اتهامه بتخطي صلاحياته حين عمل على تفسير الدستور لهو اتهام باطل لسبب بسيط حيث أن الحكم المبرم المخول وحده بحسب الدستور على إصداره، ينطلق من التفسير الصحيح للدستور وهذا صلب عمله الذي أجازه له الدستور، فلا بد لمن يحكم أن يفسر، كما إن إتهمامه بالتطاول على المجلس النيابي حين علل بعدم جواز وضع ضريبة خارج إطار الموازنة أتى في غير محله أيضا نظرا لأحكام المواد 81، 82، 83، 84، 85، 86 من الدستور اللبناني.

لقد تحدثت المادة 81 والمادة 82 من الدستور عن جواز فرض ضرائب أو تعديل أو إلغاء، على أن يكون الفرض بموجب قانون شامل تطبق أحكامه على جميع الأراضي اللبنانية دون استثناء إلا إنها أي المواد 81و 82 لم تذكر الآليات الواجب إتباعها لهذا الفرض أو التعديل أو الإلغاء، الأمر الذي وضحته أحكام المواد 83، 84، 85، 86 من الدستور حيث أتت المادة 83 لتؤكد على وجوب تقديم الحكومة لمجلس النواب موازنة شاملة نفقات الدولة ودخلها عن السنة القادمة وعلى وجوب الاقتراع على الموازنة بندا بندا في كل سنة في بدء عقد تشرين الأول، وبهذا يكون المشترع قد أخضع الدخل الذي يشمل الضرائب والنفقات لوجوب الاقتراع على الموازنة.
وفي حين أجازت المادتين 84، 85 بالاعتمادات الإضافية وبالنفقات الطارئة إلا أن المادة 86 منعت وضع ضرائب خارج إطار الموازنة العامة، حيث أتى النص الدستوري على الشكل التالي:
إذا لم يبت مجلس النواب نهائيا في شأن مشروع الموازنة قبل الانتهاء من العقد المعين لدرسه فرئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة يدعو المجلس فورا لعقد استثنائي يستمر لغاية نهاية كانون الثاني لمتابعة درس الموازنة وإذا انقضى العقد الاستثنائي هذا ولم يبت نهائيا في مشروع الموازنة فلمجلس الوزراء أن يتخذ قرارا يصدر بناء عليه عن رئيس الجمهورية مرسوم يجعل بموجبه المشروع بالشكل الذي تقدم به إلى المجلس مرعيا ومعمولا به، ولا يجوز لمجلس الوزراء أن يستعمل هذا الحق إلا إذا كان مشروع الموازنة قد طرح على المجلس قبل بداية عقده بخمسة عشر يوما. على أنه في مدة العقد الاستثنائي المذكور تجبى الضرائب والتكاليف والرسوم والمكوس والعائدات الأخرى كما في السابق وتؤخذ ميزانية السنة السابقة أساسا ويضاف إليها ما فتح من الإعتمادات الإضافية الدائمة وتحذف منها ما أسقط من الإعتمادات الدائمة وتأخذ الحكومة نفقات شهر كانون الثاني من السنة الجديدة على القاعدة الاثني عشرية.

إذا الدستور واضح لجهة ضرورة وضع موازنة، وواضح أيضا أنه في حال غيابها تجبى الضرائب كما في السابق أي لا يجوز وضع ضرائب إضافية من دون موازنة جديدة. لقد أتى الحكم الصادر عن المجلس الدستوري متوافقا مع أحكام الدستور إلا أنه جوبه سياسيا إلى حد التهديد بنسف اتفاق الطائف.
لقد شاهدنا تطاولا على رئيس المجلس الدستوري وأعضاءه واعتداءا على صلاحياته وتشكيكا بقراره الذي لم يأت من الملائكة كما تكهن المشكك فكان الغريم الأول هو المتهم فيما وجب التكهن في مكان آخر.

فبالرغم من أحقية الطعن في قانون الضرائب، وبالرغم من نزاهة قرار المجلس الدستوري إلا أنه ومن خلال البحث عن ما وراء الملائكة كما فعل المشككين دون جدوى متهمين الغريم، قد نطرح تساؤلات عن بعض الأسماء التي شاركت في هذا الإنجاز والتي من الممكن أن تكون مدفوعة من الشياطين لغرض واضح يطال الاستقرار النقدي بعد تمرير السلسة، ليترآى لنا سيناريو مشابه قد تشهده الأيام المقبلة متمثلا بطعن جديد من خلال ثغرات قانونية جديدة أكد وجودها اليوم رئيس الجمهورية وبررها بالظروف الواجبة، فبالرغم من المقصد المحق في الطعن والحكم النزيه للمجلس الدستوري إلا أنه قد يصب في مساعي الشياطين ويسجل تحقيقا. تحقيقا لحق قد يراد لبعضهم به باطلا، وليطرح تساؤلات، أنحن في دولة مؤسسات أم دولة عصابات.
مؤسسات أم عصابات
المواطن حائر
وحقه بات
لقمة سائغة
قوته فتات
منزلق للهاوية
بكل ثبات
كقطيع يسير
تقوده رعاة
خيبة يلقى
يليها خيبات
يتحسر حاضرا
وماض فات
مكبل اليدين
عقله شتات
ينشد الحياة
بلحن الممات
يسعى ليقظة
فيلقى سبات
يصرخ وجعا
يجيب السكات
لبناني هو
خيبة يلقى
يليها خيبات