علي الأمين: لبنان: حرب معلنة ضد داعش وحرب خفية أشد وأقوى/الجيش إذ يوزّع نصره.. وحزب الله إذ يريدنا أن ندفع ثمنه

75

لبنان: حرب معلنة ضد داعش وحرب خفية أشد وأقوى
علي الأمين/العرب/22 آب/17

اطلق الجيش اللبناني عملية فجر الجرود لتحرير جرود القاع وعرسال من تنظيم الدولة الإسلامية داعش، وهذه العملية العسكرية التي أثارت عشية حصولها التباسات لجهة كونها أتت في سياق الضغط السياسي والميداني الذي قام به حزب الله لفرض توقيت المعركة على الجيش اللبناني، من خلال فرضه توقيت المواجهة في جرود عرسال مع جبهة النصرة في مواجهة رأى فيها العديد من المراقبين أنها استعراضية، وكشفت إلى حد بعيد أن حزب الله كان يهدف من خلال هذه المواجهة مع مئة وعشرين عنصرا من جبهة النصرة إلى فرض إيقاع سياسي في لبنان عنوانه تشريع سلاحه من جهة، وفرض التنسيق بين النظام السوري والحكومة اللبنانية في ظل التحولات التي يشهدها الميدان السوري إقليميا ودوليا من جهة أخرى.

ساهمت معركة حزب الله مع جبهة النصرة في تعجيل الجيش اللبناني بإطلاق عمليته العسكرية، لا سيما أن حزب الله عمد بطريقة غير مباشرة إلى إحراج الجيش اللبناني عبر القول إنه نجح في إخراج جبهة النصرة من لبنان بالتعاون مع الجيش السوري، فيما الجيش اللبناني لم ينجز عملية القضاء على تنظيم داعش والتي تتطلب، بنظر حزب الله، تنسيقا معه ومع الجيش السوري. الجيش اللبناني الذي أدرك، من جهته، أنه بات في موقع حرج، عمد إلى تحضير الهجوم على مناطق تواجد هذا التنظيم في المناطق المذكورة، ومنذ البداية عمد إلى إعلان أنه لا ينسق مع الجيش السوري ولا حزب الله في هذه العملية، وسينجز المهمة كاملة من دون أن يحدد مدة زمنية لذلك.

الجيش اللبناني الذي أخذ غطاء كاملا لتنفيذ العملية العسكرية من الحكومة اللبنانية، حظي بالتفاف شعبي واسع وغير مسبوق من اللبنانيين لتنفيذ هذه المهمة، وساهم سلوك حزب الله الذي سعى إلى استثمار عمليته ضد جبهة النصرة في الداخل اللبناني، ولا سيما على صعيد تبييض صفحة نظام الأسد، في صنع اندفاعة لبنانية واسعة ومقابلة تعلن عن الالتفاف حول الجيش، وعن دعم لخيار الجيش في قيامه بالمهمة من دون أي تنسيق مع الجيش السوري وحزب الله. لا بل إن الجيش اللبناني أظهر في حرصه على القيام بهذه الخطوة منفردا أنه، وبخلاف الجيش السوري الذي يستعين بحزب الله، (أي الجيش اللبناني) قادر على تنفيذ العملية بمفرده. تسليم عناصر تنظيم داعش أنفسهم لحزب الله، وليس للجيش اللبناني، جعل الكثيرين يتساءلون عن دلالة هذه الخطوة ومعانيها

على أن حزب الله الذي أعلن رسميا أنه لا يلزم الجيش بالتنسيق معه، قال عبر أمينه العام حسن نصرالله إنه سيهاجم تنظيم داعش مع الجيش السوري من الجانب السوري، في موقف يعبر في مضمونه عن إصرار على دخوله في المعركة بغاية بات يعرفها الجميع، أي التأكيد على دوره في تحرير أراض لبنانية من جماعات مسلحة سورية، كان هو في نظر الكثير من اللبنانيين سببا في دخولها إلى لبنان لا سيما بعد تورطه في القتال السوري منذ نحو خمس سنوات على الأقل. معركة الجيش اللبناني تكتسب اليوم أهمية تتجاوز البعد العسكري ذا الأهمية البالغة، باعتبارها أوّل معركة يخوضها الجيش مع هذا التنظيم، فهي إلى ذلك تبدو ملحمة عسكرية ووطنية تريد منها قيادة الجيش أن تؤكد للبنانيين قدرتها على حماية الحدود والدولة.

وهي ملحمة تهدف إلى نسف كل المقولات التي يحامي عنها حزب الله وحلفاؤه منذ عقود، ومفادها أن الجيش اللبناني عاجز وغير قادر على حماية لبنان، وهي مقدمة للقول للبنانيين أن لا غنى لكم عن سلاح حزب الله. في اليوم الأول من عملية فجر الجرود نجح الجيش اللبناني في التقدم في المنطقة التي يسيطر عليها تنظيم داعش، ونجح في السيطـرة على معظـم التلال في المنطقة، وأسقط أكثر من عشـرين مقاتلا من عناصر هذا التنظيم. وفي اليوم الأول من العملية، وللمفارقة، عمد نحو خمسة مسؤولين عن مجموعات هذا التنظيم إلى تسليـم أنفسهم طوعيا لحـزب الله كما أظهرت الصور التي وزعها الإعلام الحربي لحزب الله، فيما حـاول الحـزب بكل وسائـل التـرويج ومن خلال أشرطة الفيديو المصورة القول إنّه أيضا يقاتل وليس الجيش اللبناني وحده في الساحـة، بل سعى أيضا إلى ترويج وبطرق غير مباشرة فكرة مفادها أنّه ينسق مع الجيش وهو ما ظل الجيش ينفيه حتى اليوم. تسليم عناصر تنظيم داعش أنفسهم لحزب الله، وليس للجيش اللبناني، جعل الكثيرين يتساءلون عن دلالة هذه الخطوة ومعانيها.

الجيش اللبناني وفي اليوم الثالث لإطلاق العملية أصدر بيانا نعى فيه ثلاثة من جنوده الذين قتلوا نتيجة انفجار لغم أرضي في مركبة عسكرية كانوا فيها، ولكن هذه الخسارة التي يؤكد مصدر عسكري أنها من ضمن الخسائر المحتملة حتى الآن في العملية، رسخت لدى القيادة العسكرية خيار التقدم على طريقة القضم، لا سيما أنّ الجيش لا يريد أن يتكبد خسائر بشرية كبرى إذا كان قادرا على تحقيق نفس النتيجة العسكرية بالقضاء على وجود داعش على الأراضي اللبنانية بوقت أطول.

في البعد السياسي يدرك جميع اللبنانيين، من دون أن يعلنوا ذلك جهارا، أنّ ثمّة معركة معنوية وسياسية يخوضها الجيش اللبناني سواء على جبهة الداخل اللبناني أو في جبهة الخارج الإقليمي والدولي. معركة إثبات الوجود والقدرة والكفاءة بأنه يمتلك كل المقومات التي تجعله قادرا على حماية الحدود اللبنانية، وهو إلى جانب قدراته التسليحية يتميز بأنه المؤسسة اللبنانية الـوحيدة التي تحظى بالتفـاف وطني وإجماع لبناني حوله لا يقاربه أيّ إجماع آخر. ومعركة الجرود في هذا السياق تكتسب أهمية تتجاوز البعد العسكري الميداني إلى البعد السياسي والوطني، فالجيش بانتصاره المرتقب على تنظيم داعش رغم كل المحاذير التي تحيط بهذه المعركة، فإنه بإنجازها سيكون عرضة لتحديات أكبر ستجعله أمام مخاطر إضافية على مستوى بروزه كقوة عسكرية لا تشكيك في كفاءتها ووطنيتها. مخاطر سيقابلها التفاف لبناني أكبر بعدما فقد الكثير من اللبنانيين ثقتهم بالحكومة والسلطات السياسية الحاكمة عموما.

الجيش إذ يوزّع نصره.. وحزب الله إذ يريدنا أن ندفع ثمنه
علي الأمين/جنوبية/21 أغسطس، 2017
ماذا يعني أن ينتصر الجيش اللبناني في فجر الجرود؟ وهل من فارق لدى اللبنانيين بين انتصار حزب الله وانتصار الجيش وأيّهما يفيد لبنان والدولة؟ أثبت الجيش اللبناني كفاءة عالية، وقدرته على إنجاز عمل احترافي في التخطيط والتنفيذ، والأهم أظهرت عملية “فجر الجرود” ضد تنظيم داعش عقيدة وطنية تفوقت على كل جيوش المنطقة، عبّر عنها هذا الاندفاع لدى القيادة والجنود لاقتلاع المجموعات الإرهابية، وهذا الالتفاف الوطني الصلب والعفوي غير المصطنع للبنانيين حول جيشهم الوطني… بل يلاحظ اللبنانيون انّ حسّاً وطنيا انتعش لدى جميع الفرقاء السياسيين مع انطلاق معركة فجر الجرود، وهو، إلى الالتفاف الشعبي بلا مكابرة، ظاهرة غير موجودة اليوم لدى معظم الجيوش العربية إن لم نقل كلّها. معركة الجيش اليوم، منذ اليومين الأولين، أطاحت بجزء كبير من الأوهام والتصورات الخاطئة التي روّج لها كثيرون ومفادها أنّ الجيش عاجز وغير قادر على القيام بواجباته. وهي منذ بدايتها معركة أسقطت مقولة الدولة المستقيلة عن مهمتها العسكرية والأمنية، لحساب تثبيت مقولة الدولة القادرة. إذ ليس خافياً على أحد أنّ بعض القوى الحزبية والميليشيوية روّجت وتروّج لثقافة الدولة القاصرة وعدم قدرة الجيش وعدم كفاءته العسكرية، لتبرير وجود سلطة عسكرية وأمنية وميليشيوية خارج الشرعية. وهذا ما يقوله حزب الله دائما هذه الأيام، وهو أنّه لولاه لكان الإرهاب انتصر في لبنان، بل هو يعلنها بوسائله المختلفة: “أنا من حماكم أيّها اللبنانيون من الارهاب”.
ماذا يعني ذلك في الوعي الوطني اللبناني؟
معركة جرود عرسال التي خاضها حزب الله لم تزل أمام أعيننا، في اللحظة التي انتهت المعركة والتي لم تخلُ من جانب استعراضي. فقد بدأ حزب الله عملية استثماره للانتصار بشكل فجّ من خلال محاولة فرض التطبيع مع النظام السوري رغم أنف المؤسسات وعلى رأسها الحكومة. ليس هذا فحسب، بل عزز في الوعي اللبناني منطق الغلبة الداخلية على حساب الانتصار الوطني العام، عبر القول إنّنا انتصرنا في سوريا وعليكم قراءة المعطيات الجديدة والعمل على أساسها. في هذه النقطة الأخيرة ما التقطه الحسّ الوطني اللبناني، وهو أنّ حزب الله حين ينتصر يريد ثمناً سياسياً لانتصاره، هو يحميك لكن مقابل الولاء الخاص. يريد أن يحميك لكن مع احتفاظه بحقّه في الانتقال بين الدول “مقاتلاً ومجاهداً ومحرراً” مع ما يسببه هذا السلوك من أضرار على الدولة والوطن، ومن تعزيز للدويلة على حساب الدولة. اللبنانيون لا ينالهم هذا الشعور عندما ينتصر الجيش، بل العكس تماماً. فانتصار الجيش لا يندرج في منطق الغلبة، فهو انتصار لكل لبناني وللدولة. بل في انتصار الجيش تعزيز للوحدة الوطنية. والجيش الذي ينتصر في معركة ضد تنظيمات ارهابية، يحظى بالإضافة إلى الالتفاف الوطني أولاً، بغطاء دولي داعم ومؤيد، فيما انتصارات حزب الله تندرج في صراعات المحاور التي نأى لبنان عنها على المستوى الرسمي.
ولا بدّ من الإشارة أكثر إلى جانب من الاستثمارات السياسية لما يسميه حزب الله انتصارات كبرى. فالأثمان دائماً مطلوبة من اللبنانيين، عبر تعميم ايديولوجيته ليزيد من العزلة المذهبية لبيئته الحاضنة. الولاء الخاص الذي يريده هو عزل الشيعة عن البيئة الوطنية وتطويع الطوائف الأخرى في نظام مصالحه الاستراتيجية في المنطقة. العزلة ليست سياسية فحسب بل وطنية. إذ ليس عادياً أن تمنع بلدية الريحان (في قضاء جزين المسيحي) التي يسيطر عليها حزب الله ورئيسها وموظفوها ومشاريعها يعتاشون من اموال الدولة اللبنانية -ليس عادياً- أن يمنع الحزب عشاء قروياً أعدّه شباب من البلدة مساء السبت المنصرم بسبب ما يرافق هذا العشاء من “أغنيات لفيروز”. بل اصرّت البلدية على بثّ الأناشيد الحزبية أو الدينية حصراً. فيما جزين القريبة كانت مسرحاً لمهرجانات صيفية ولا يزال يأتيها اللبنانيون من كل حدب وصوب من صيدا والريحان نفسها ومن بيروت والشوف. حزب الله يريد أيضاً تعميم العزلة الثقافية. فالريحان نفسها كما معظم قرى وبلدات الجنوب والبقاع الشيعية لن تجد إلاّ أعلاماً حزبية وشعارات تنتمي لثقافة الدويلة وليس إلى الفضاء الوطني العام. مجرد أن يكون غناء فيروز ممنوعاً من قبل مجلس بلدي يسيطر عليه حزب الله، فهو ليس إلاّ مشهداً كاريكاتورياً استبدادياً لعزل البيئة الشيعية عن الفضاء الوطني العام. وهذا جزء بسيط من ضمن الاستثمارات السياسية والثقافية لانتصارات حزب الله العسكرية… لذا لا يمكن فصل معركة الجيش اللبناني اليوم عن كل ذلك، ولا مجال للمقارنة بين انتصار الجيش وانتصار حزب الله، واحد يصبّ انتصاره في مشروع الدولة والثاني في مشروع الدويلة…