عقل العويط/النهار: رسالة تكريم غير شخصية إلى شكري صادر

62

رسالة تكريم غير شخصية إلى شكري صادر
عقل العويط/النهار/08 آب/17

ثمّة في بلادي ما يجعل الرأس مرفوعاً شامخاً أنوفاً.
هذا سببٌ كافٍ لعدم اليأس والاستسلام.
ولعدم تسليم البلاد إلى الشيطان الرجيم، أو إلى الزعران.
ثمّة في هذه البلاد مَن يحترم القانون، ويجعله فوق كلّ اعتبار. متجاوزاً كلّ أشكال التنكيل والتمريغ والاغتصاب والتشويه والدَعْوَسة.
ثمّة في هذه البلاد مَن يرفض أن يشهد للزور، للبهتان، للتزوير، للمحسوبية، للمحاصصة وللزبائنية.
ثمّة في هذه البلاد مَن يأنف أن “يحمل المنشفة” للسياسيين وللزعماء وللقابضين على المال العام.
ويأنف أن يكون قوّاداً أو مُتاجراً بالشرف، مثلما يأنف أن يشارك في الدعارة القيمية التي تمسّ جوهر المعايير وسلّم القيم المعنوية.
ثمّة في هذه البلاد مَن يستطيع أن يقول “لا” بصوتٍ أو بموقفٍ يوازي الزئير، بل يتخطّاه، ويعلو عليه، ليصبح هو الزئير الوحيد في هذه الجمهورية – الغابة!
ثمّة في هذه البلاد مَن يذهب إلى بيته لينام على مخدّته من دون أن تقضّ مضجعه الكوابيس التي تتهمه بالخيانة.
نعم: بالخيانة.
فالخيانة على أنواع، وليست كلّها بيع الجمهورية من أعداء الوطن.
ثمّة في هذه البلاد مَن “يخون” بلاده بجعل القانون مطيّة، من أجل تحقيق مآربه وتوسيع دائرة الأزلام والمحاسيب، وصولاً إلى تعميم أخلاقيات الفساد، عبر استئصال كلّ كرامة وكلّ شرف، وعبر اقتلاع كلّ عينٍ تشبه عين هابيل التي رأت القاتل، ولم تسكت على الجريمة.
ثمّة في هذه البلاد مَن لا يسيل لعابه أمام الغواية والإغراء والليرة والدولار والمنصب والجاه.
ثمّة في هذه البلاد مَن لا يركع.
مَن لا يطأطئ.
من لا يبوس الأقدام ولا الأيادي.
ثمّة في هذه البلاد مَن يداه غير ملطّختَين بالعار والسمسرة.
ثمّة في هذه البلاد مَن يمكنه أن يمشي في ساحة الشهداء وأن يبصق على أصحاب النفوس الصغيرة.
ثمّة في هذه البلاد مَن يصفع بحقّ، ويؤنّب بحقّ، ويحتقر بحقّ، لأنه صاحب حقّ، ومدافعٌ عن الحقّ، ورافضٌ إذلال الحقّ.
ثمّة في هذه البلاد ما يستحقّ أن يُعاش من أجله، وأن يُناضَل من أجله.
نعم. هذه البلاد تستحقّ غير هؤلاء الزعران.
غير هؤلاء القوّادين.
غير هؤلاء القابضين على الزمام العام.
هذه البلاد تستحقّ أن يُعاد لها شرفُها.
وأن يُمسَح عنه الذلّ.
صحيحٌ أن هذه الرسالة هي رسالة تكريم غير شخصية إلى شكري صادر. لكنها رسالة عمومية إلى كلّ أهل الكرامات، من أجل استرداد الكرامات.
فلتكن هذه الرسالة، إذاً، رسالةً شخصيةً إلى كلّ مَن يعتبر نفسه معنياً بهذه المسؤولية الوطنية والسياسية والقانونية والأخلاقية.