ملكار الخوري: من يحمي المسيحيين في لبنان؟

96

“من يحمي المسيحيين في لبنان؟
ملكار الخوري/ليبانون فايلز/04 آب/17

لا شيئ بإستطاعته منع موت أيِّ من الكائنات الحيّة؛ فالموت جزء من دورة الحياة. لربّما هناك ما يؤخره، نعم؛ ولكن، لأن لكل شيئ ثمنه، لا بد وأن تكون المفاضلة بين الثمن والنتيجة على أساس القيمة المضافة.
التسليم بهذه الحقيقة، من شأنه إعلاء الشخص – ومن خلاله المجموعة – لكرامته الإنسانية، ورفض أية مساومات من شأنها المس بها؛ وهو أمر يبدو أن المسيحيين، بجزء كبير منهم، بعيدين عنه كل البعد؛ وهو أمر يدفع جزء كبير من غير المسيحيين إلى تحقيق عكسه.
“حزب الله حمى المسيحيين”، مقولة إرتبطت مع ما إصطُلح على تسميته معركة جرود عرسال، ولعل من أكثر المغالين في الترويج لها، مسيحيون، لا وصف أدق لموقفهم من تعبير “الذميّة”. ولعلهم في إنشغالهم “عَيش ذميّتهم” غفلوا عن أو أغفلوا بعض الأمور.
قد يسأل سائلٍ عن براهين تدعم هكذا “إتهام”.
حسناً، الإتهام هذا سياسيٌ بإمتياز؛ مرفقة معه ربطاً جملة ملاحظات تترك للقارئ حريّة قبول أو رفض الإتهام “بالذميّة”
مقولة “حزب الله حمى المسيحيين” تعني عملياً ما يلي:
– وجود دين على المسيحيين واجب تسديده لفئة من اللبنانيين أي حزب الله. للتذكيرفقط، فإن أمين عام حزب الله قد أعلن مراراً وتكراراُ عن “دين في رقبتنا حتى يوم الدين” للرئيس السابق للتيار الوطني الحر العماد ميشال عون على خلفية وقوفه إلى جانب الحزب خلال حروب تمّوز 2006. إلى جانب إسقاط المفاهيم الدينية على السياسة في لبنان، هل من الممكن إعتبار الدين المستجد على المسيحيين للحزب نوع من حل للحزب من “دَين يوم الدين”؟
– إعتبار المسيحيين مكونّ منفصل عن الشعب اللبناني، وإلا، فما الحاجة إلى حماية خاصة؟ ولماذا يكون مصدر هذه الحماية مجموعة خاصة، وليس الدول اللبنانية؟
– صُدفة وجود مناطق مسيحية عند الحدود البنانية-السورية حيث تتواجد المجموعات الإرهابية لا يعني حكماً أن هدف الإرهابيين إستهداف مسيحيين. فالتفجيرات الإرهابية طاولت بأغلبيتها مناطق ذات اغلبية مسلمة في لبنان. “حزب الله حمى المسيحيين” ليس إذا تعبير دقيق.
– المكوّن الشيعي يتكفّل بحماية المسيحيين من الإرهاب السني. أقليّة كبيرة تحمي أقليّة صغيرة. أوليس ذلك شكل من أشكال تحالف الأقليات الذي يندد به الحزب؟ أوليس في ذلك تزكية للتوتر السني-الشيعي؟
– القبول بمبدأ حماية فئة لأخرى هو ضرب لمفهوم العقد الأمني مع كيان الدولة المتمثّل بحصرية المدافعة والمهاجمة.
– إدانة الدولة بسبب عجزها عن حماية رعاياها. الحل في هذه الحالة لا يكون من خلال الحلول محل الدولة، بل من خلال تطوير قدراتها.
– دعوة إلى التسلح والأمن الذاتي. فلنسلّم أن الجرة سلمت هذه المرة لوجود حزب الله. طيّب من يحمي المسيحيين في حال عدم وجود الحزب؟ وإذا كان الحزب يعتقد بديمومة وجوده، فهو إذا يقدم نفسه كبديل عن الدولة في أحسن الأحوال، أوهو لم يتّعظ من تاريخ لبنان الحديث لجهة صعود وأفول نجم المجموعات المسلّحة غير الشرعية، في أسوأها (الأحوال).
ثم أن قبول المسيحيين بهذه الحماية يعني عملياً:
– التخلي عن مبدأ الدولة.
– التنازل عن الحق بالمساواة في الحقوق وفي الواجبات أمام القانون وفي القانون.
– التخلّي عن تجربة الحرية الوحيدة في هذا الشرق لمجموعة غير إسلامية، والعودة الطوعية إلى أحكام أهل الذمّة.
– التسليم بأن الحقيقة هي وجهة نظر تنتفي معها الحاجة إلى الإثبات المبني على الوقائع، والعودة إلى معادلة
La raison du plus fort est toujours la meilleure
– الإنحدار إلى درك غير مسبوق من الذمية.
وللتذكير أنه إبان حرب الجبل، لم يشفع لمن بقي من مسيحيين في الجبل، إنتمائهم إلى الأحزاب التقدمية الإشتراكية والشيوعية أو تأييدهم الصادق للقضية الفلسطينية أو للجبهة الوطنية، فكانوا من أول ضحايا العنف الطائفي.
في هذا الوقت، حقق حزب الله من خلال جرود عرسال هدفاً ثلاثي الأبعاد، إستغرق تحقيق مثيله في مرحلة سابق 10 سنوات:
– نصر ميداني (يقابل نصر إنسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، وإعلان النصر الإلاهي عام 2006).
– السطوة المعنوية على الأصوات المعارضة والدليل التصاريح التي صدرت خلال وعقب إنتهاء الأعمال العسكرية التي تشيد بالحزب (يقابلها الرسالة التي وجهها الحزب للنائب وليد جنبلاط من خلال ما عُرف بحركة “القمصان السود”) .
– “التقريش” السياسي – المتوقّع – لما سبق ذكره من خلال المطالبة بتعديل الدستور (يقابله إتفاق الدوحة وتعديل الدستور بشكل de facto من خلال فرض تفاسير وممارسات لا اتوال موقع جدل بين أهل الخبرة).
يصح اليوم في رهان البعض غير القليل من المسيحيين على “ذميّتهم” كخشبة خلاص، ما قاله يوماً قائد الجيش الأسبق العماد ميشال عون لقائد ميليشيا القوات للبنانية د.سمير جعجع في معرض دعم الأخير لإتفاق الطائف: إذا ربحت تكون قد خسرت، وإذا خسرت تكون قد خسرت.