طوني عطية: الموارنة والشهادة صنوان… 31 تموز تذكار الشهداء رهبان مار مارون

109

الموارنة والشهادة صنوان… 31 تموز تذكار الشهداء رهبان مار مارون
طوني عطية/حركة لبنان الرسالة/31 تموز/17

منذ نشأتها، قامت الكنيسة المارونية على الشهادة والاستشهاد، فالشهيد هو الذي أدّى شهادة الإيمان بالمسيح في أعماله وأقواله وتصرفاته، وتوَّجها بشهادة الدم.
في تعليم الكنيسة، “الاستشهاد هو الشهادة السّميا لحقيقة الإيمان، شهادة تصل حتى الموت. والشهيد يؤدِّي الشهادة للمسيح الذي مات وقام، متَّحدًا معه بالمحبة. إنّه يؤدّي شهادة لحقيقة الإيمان والعقيدة المسيحيّة، ويحتمل الموت قويًّا، كما فعل القدِّيس اغناطيوس الانطاكي وهو يقول لشعبه: “دعوني أصير طعامًا للوحوش. فبها سأُعطى البلوغ إلى الله” (كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة، عدد 2473).
فالموارنة والشهادة صنوان، تاريخهم زاخر بالبطولات والاستشهاد، حيث تحتفل الكنيسة بعيد الشهداء رهبان مار مارون في 31 ‏تموز‏‏ ‏من كل عام.
كان هؤلاء الرهبان يقطنون أديار سوريا الشمالية قرب لبنان الشمالي. وكانوا شديدي التمسّك بالإيمان وفقاً لتعليم المجمع المسكوني الرابع الخلقيدوني المنعقد عام 451 القائل بأن في المسيح طبيعتين إلهية وانسانية ضدّ اوتيخا واتباعه.
فقام عليهم ساويرا بمساعدة الملك انسطاس الذي كان نصبه بطريركاً على انطاكية. فقتل منهم ثلاثمئة وخمسين راهبا وكثيرين غيرهم من الرهبان والأساقفة في السنة 517 فرفع اخوانهم الأحياء عريضة الى الحبر الروماني البابا هرميسدا (514 – 523). يبينون له كيفية استشهاد اخوانهم هؤلاء. وما ألحقه بهم من الأضرار البطريرك ساويرا ورفيقه بطرس القصار واتباعهما. فأجابهم البابا برسالة مؤرخة في السنة التالية اي سنة 518، فيها يعزيهم ويحثهم على ان يقاوموا بشجاعة الاضطهاد. وقد اثبث المؤرخون وأخصهم تاوفانوس وتاوافيلوس الرهاوي الماروني حقيقة اضطهاد ساويرا للكاثوليك ولا سيما الرهبان وقتله عدداً وافراً منهم، مشيرين بذلك الى هؤلاء الرهبان الشهداء الثلاثمئة والخمسين. ومنذ القديم تعيّد الطائفة المارونية لهم، معتبرة اياهم اجدادها وشفعاءَها المستجابين لدى الله. وقد عمم البابا بنديكتوس الرابع عشر لجميع كنائس الطائفة الغفران الذي كان منحه البابا اكليمنضوس الثاني عشر سنة 1734 لكنائس الرهبان الموارنة.
تأتي هذه السنة “سنة الشهادة والشهداء” لتذكّرنا تاريخنا وعلّة وجودنا، في حين أن الخطر الذي يواجه الموارنة اليوم هو انحلال هويتهم من الداخل أكان بفقدان القيم والمبادىء الإيمانية التي قامت عليها المارونية أم بالتنازل عن أصالتهم ألا وهي الحرية، كما قال اعلّامة ميشال حايك “لولا الحرية لما استحق الموارنة أي ذكر إلا في حواشي التاريخ”.
ونختم ما ورد في رسالة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في مجمع كنيستنا المقدَّس المنعقد بين 10 و18 حزيران 2015 إعلان سنة 2017 “سنة الشهادة والشهداء في الكنيسة المارونيّة”: “لم يأتوا إلى جبل لبنان لاجئين أو فاتحين، بل أتوه نسّاكًا وحاملين رسالة مطبوعة بالشهادة النسكيّة والاستعداد للاستشهاد دفاعًا عن إيمانهم وحرّيتهم. لم يتكلّل لهم شهداء نتيجة طمعهم بالمُلك أو بالسلطة، بل بنتيجة رسالتهم المسالمة، رسالة المحبّة والمصالحة واحترام الآخر. ارتبط اسمهم بجبل لبنان، وحوّلوه ديرًا للصلاة والابتهال إلى الله وأطلقوا على أعلى قمّة فيه اسم “قرنو دسوهدي” أي “قمّة الشهداء” مثالًا لكلّ قمّة روحيّة؛ وأطلقوا على أكبر وادٍ فيه اسم “وادي قاديشا” أي وادي القدّيسين. وتمرّسوا في كلّ أنواع العذابات والميتات، حتى صحّ فيهم قول الرسالة إلى العبرانيّين في شهود الإيمان: “وتحمّل بعضهم توتير الأعضاء وأبَوا النجاة رغبةً في الأفضل، أي في القيامة، وبعضهم الآخر عانى السخرية والجَلْد، فضلًا عن القيود والسجن. ورُجموا ونُشروا وماتوا قتلًا بالسّيف وهاموا على وجوههم، لباسهم جلود الغنم وشعر المعز، محرومين مضايقين مظلومين، لا يستحقّهم العالم، وتاهوا في البراري والجبال والمغاور وكهوف الأرض” (عب 11: 35-38).