الياس الزغبي: التحالف الانتخابي

66

التحالف الانتخابي
الياس الزغبي/الكلمة أونلاين/21 حزيران/17

“التحالف الانتخابي”، تعبير سار عليه بعض السياسيّين والأحزاب في لبنان، في السنوات الأخيرة، خلال انتخابات 2005 و2009، وربّما خلال انتخابات 2018 المقبلة، في حال حصولها.

وهو تعبير، إذا دقّقنا في معناه ومضمونه، يشكّل ذريعة، أو على الأقلّ، تبريراً لحصول تحالفات بين أضداد في العقيدة والأهداف والأداء، بما يخفّف من حدّة النقد لتحالف غير منطقي في السياسة، وهجين في الديمقراطيّة، وغير معروف إلاّ في لبنان. وهو تالياً تعبير “صُنع في لبنان” كما في اللغة السياسيّة في الآونة الأخيرة.

ففي فرنسا، لا يوجد “تحالف انتخابي” بين حزبين خصمين، بين لوائح ماكرون ولوبين مثلاً. وكذلك لا يتحالف حزبا العمّال والمحافظين في بريطانيا، ولا الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتّحدة. والأمثلة المشابهة كثيرة في سائر أوروبا وأميركا والعالم.

وحتّى في جوارنا، لا تتحالف أحزاب متنافسة في إسرائيل وقبرص وتركيّا. ولا نذكر هنا “الديمقراطيّة المميّزة” في سوريّا قبل حربها، حيث كان تعدّد الأحزاب مجرّد ديكور للحزب الحاكم “قائد الأمّة”، تحت مسمّى “الجبهة الوطنيّة التقدّميّة”.

إذاً في الديمقراطيّات لا وجود لتسمية “تحالف انتخابي”، بل تحالف فقط، بما يعني أنّه تحالف سياسي على قاعدة برنامج مشترك، ورؤية سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة متقاربة إذا لم تكن متطابقة.

وفي لبنان، لا بدّ من التزام موجبات الديمقراطيّة واحترام إرادة الناس، وعدم الانزلاق إلى تحالفات غير طبيعيّة وغير منطقيّة في السياسة، تحت أيّ ذريعة أو تبرير كانت.

ولا يجوز الاستناد إلى اسثناءات حصلت مباشرةً بعد انتهاء الاحتلال السوري، ولا في استثناءات حصلت في الانتخابات البلديّة، حيث سُجّلت تحالفات بين أضداد في الرأي والرؤية، بسبب طبيعة بعض البلدات والقرى. علماً أنّه لا يجوز القياس على الانتخابات المحليّة ذات الطابع التنموي العائلي الغالب.

أمّا الانتخابات النيابيّة فهي استحقاق سياسي وطني بامتياز يؤسّس لمرحلة خيارات وقرارات في السلطات الثلاث، ويرسم الاستراتيجيّات الداخليّة والخارجيّة، وتنبثق منه كلّ السلطات بتفويض سيادي من الشعب.

ولم يشهد لبنان مرحلة أقرب إلى الديمقراطيّة إلاّ حين كانت الانتخابات تحصل على خيارات سياسيّة واضحة، واصطفاف سياسي وحزبي ثنائي في الغالب ( دستوري وكتلوي، نهج وحلف، توجّه عربي وغربي..).

والآن، من الحكمة استعادة هذا الاصطفاف الثنائي بين نهجين وخيارين: 14 و8 آذار، طالما أنّ اللغة السياسيّة عادت إلى إحياء هذين التكتّلين العملاقين. ولنا في تأكيد د. سمير جعجع على استمرار هذا الاصطفاف في 14 آذار، وتأكيد “التيّار العوني” على أنّ “حزب الله حليفه الأوّل”، سند كبير لتحضير انتخابات نيابيّة على هذا الأساس.

فلا تحصل تحالفات غير مبرّرة بين نقيضين هما “القوّات اللبنانيّة” و”حزب الله” مثلاً ( وهذا أمر مستحيل نظراً للاختلاف العميق على السلاح الخارق للسيادة والمتورّط في حروب خارجيّة لحساب دولة أجنبيّة ). والأمر نفسه ينطبق على “تيار المستقبل” والكتائب وسائر قوى 14 آذار من جهة و”حزب الله” وسائر حلفائه من جهة أُخرى.

وهنا تبرز إشكاليّة التحالف مع “التيّار العوني” لأنّه في صلب اصطفاف 8 آذار برغم مشاركة الجميع في انتخاب رئيس للجمهوريّة وتشكيل حكومة وإقرار قانون انتخاب. وهو يعلن كلّ يوم “حلفه المقدّس” المستمرّ مع “حزب الله”. ولا تُغيّر في هذه الحقيقة مناكفة مع فصيل هنا أو هناك، لأنّ أساس تحالفهما راسخ ومتين.

إنّها الإشكاليّة الصعبة التي يطرحها تحالف 14 آذار مع “التيّار العوني” اللصيق بسياسة “حزب الله” واسترتيجيّته، في حال حصوله.

ولا شكّ في أنّ شرائح شعبيّة واسعة من قوى 14 آذار، سواء مستقلّة أو حزبيّة، لا يمكن إقناعها بمثل هذا

“التحالف الانتخابي”، برغم موافقتها على المصالحات وتنقية الضمائر التي حصلت. فالمصالحة الاجتماعيّة والانسانيّة شيء والتحالف السياسي شيء آخر. وأخطر ما في التحالف المفترض هو اللائحة المقفلة التي تفرض على الناخب الاقتراع لمن لا يرغب فيه، لأنّ التشطيب ممنوع.

فهل يمكن فرض هذا الاسم أو ذاك من “حزب الله” و”التيّار العوني” وسواهما من أطراف 8 آذار على ناخب سيادي من 14 آذار؟

لذلك، يجب إحياء الوضع السليم داخل فريق انتفاضة الاستقلال، والسعي بصدق، منذ الآن، إلى عقد تحالفات في ما بين مكوّناتها التي تجمعها أسس وأهداف مشتركة، وليس مجرّد مصالح انتخابيّة وسلطويّة عابرة.

فعلي هذا الفريق تقديم نموذج ديمقراطي حرّ ومنطقي وصحيح، في انتخابات سياسيّة واضحة المعالم تستجيب تطلّعات مليونيّة 14 آذار، والتي احترق قلبها على تفرّق صفوف أبنائها.

ولتكن المرّة الأخيرة التي نسمع فيها ببدعة “التحالف الانتخابي”.

http://alkalimaonline.com/Newsdet.aspx?id=182608