الياس الزغبي: إشكاليّة السيادة والسلطة

66

إشكاليّة السيادة والسلطة
الياس الزغبي/موقع القوات/الجمعة 26 أيار 2017

من حين إلى آخر، تطفو على سطح الأزمة السياسيّة محاولات جدليّة لتفسير الواقع المأزوم والمتفاقم منذ الانتخابات الرئاسيّة، وتبرير الإخفاقات المتلاحقة في السياسات الداخليّة والخارجيّة، لاسيما الإخفاق الأكبر في إنتاج قانون الانتخاب.

والجدليّة الأشدّ حساسيّة وخطورة، والتي تُصرّ عليها أوساط سياسيّة وإعلاميّة، هي ثنائيّة السيادة والسلطة، وأيّهما الأجدر بالأولويّة في هذه المرحلة البالغة الدقّة.

في الأساس، لا يجوز تقديم السيادة والسلطة وكأنّهما متناقضتان أو متصادمتان، لأنّهما شرطان لازمان لاستقلال أيّ دولة، ولا انفصام بينهما، ومع ثالثتهما الأرض، ورابعهما الشعب. فلا وطن ولا دولة مستقلّة بدون توافر هذا الرباعي وتكامله. فكيف يصحّ الحديث عن السلطة وحدها كمعبر إلى السيادة والاستقلال؟

وفي الأساس أيضاً، تصحّ كلمة سلطة لدولة غير سيّدة وغير مستقلّة، كفلسطين راهناً مثلاً. فهناك “سلطة فلسطينيّة” تحت الاحتلال الأسرائيلي، وكذلك في مناطق الحكم الذاتي أو الخاضعة لوصاية أو انتداب. فهل المقصود بالسلطة في لبنان هذه النماذج في فلسطين وسواها؟

لا نظنّ أنّ من يروّجون لنظريّة السلطة كوسيلة لاستعادة الحقوق، في انتظار تأمين ظروف استعادة السيادة، تغيب عن بالهم التجربة نفسها تحت الاحتلال السوري، حين كان اللبنانيّون يظنّون أنّهم حاكمون لمجرّد بلوغهم سدّة الرئاسات أو حقائب الوزارات ومغانم الادارات وحصص التلزيمات.

لا يتصوّرنّ أحد أن السلطة وحدها، بعد عزلها عن الاستقلال والسيادة بحجّة عدم نضوج ظروفهما، تستطيع أن تبني دولة وتستعيد حريّة وحقوقاً، أو أن تشكّل ممرّاً إلزاميّاً لبناء الدولة واستعادة السيادة. ففي معظم الأحيان تُصبح نوعاً من الإرضاء والرشوة للرضوخ والقبول بالأمر الواقع.

وهذا ما حصل فعلاً تحت الوصاية السوريّة. وإنْ ننسى لا ننسى.

ولنا في سكوت قوى سياسيّة عدّة عن الوصاية البديلة المتمثّلة بخطورة سلاح “حزب الله” وهيمنته على القرار السيادي في السلم والحرب وتوريطه لبنان في سياسة المَحاور، وسكوتها كذلك عن خرق سيادة الدولة على حدودها ومرافقها الماليّة والجمركيّة، خيرُ دليل.

لذلك، فإنّ الموقف الوطني السليم يقوم على الربط المحكم بين السلطة والسيادة، وليس على التفضيل والاختيار بينهما تحت شعار سياسة المراحل و “فنّ الممكن”.

ويكفي استلهام الانجاز التاريخي في ربيع 2005، حيث أنّ رفع الوصاية وتحرير السيادة حرّرا المنافي والسجون الصغيرة والكبيرة، ومهّدا الطريق للسلطة المستقّلة وليس العكس.

ولا ندخل هنا في أسباب انتكاسة ذاك الانجاز وتمييع ما حقّقته انتفاضة الاستقلال، فللتاريخ أن يحكم على الأخطاء والخطايا.

ويكفي الادراك أنّ السلطة بلا سيادة هي مجرّد “سلطة” كما في فلسطين تماماً، بينما السلطة في ظلّ السيادة هي حكم وحكومة وقرار شرعي حرّ.

وليس طموحاً أن تكون السلطة بين السراي وبعبدا كما بين رام الله وغزّة!

فوجب التنبيه من الفصل بين السلطة والسيادة في دولة مستقلّة.