أحمد الغز: سمير فرنجية.. إلى اللقاء/عقل العويط: سمير فرنجية في جبل الزيتون

64

سمير فرنجية.. إلى اللقاء
أحمد الغز/اللواء/20 أيار/17

الأمس الجمعة التاسع عشر من ايار كان اللقاء الاول مع  الفرد الانسان المواطن سمير حميد فرنجية في أربعين الرحيل. كان اللقاء هادئاً حميماً عميقاً منفتحاً نابضاً بالحياة، وتبادلنا الحديث معه حول موت السياسة في لبنان.
تموت السياسة عندما يكثر الضجيج ويعلو الصراخ وتكثر الاتهامات وأدبيات الفراق. عندما تموت السياسة يتعاظم الشعور بالذات والرغبة بالانعزال، و ينعدم الانسياب، ويكثر الاحتقان، وتتعاظم الروائح الكريهة، لأنّ المعاني والأفعال كالأجساد عندما تموت وتتوقف عن النبض والحراك.لأن السياسة كالأنهار عذبة المياه، وهي في انسياب دائم الى الأمام، وعندما تموت تصبح كالمستنقعات.
تموت السياسة عندما تنعدم المبادرة والتسويات، فتتوقف المجتمعات عن التجدّد والابتكار. فالسياسة يصنعها حبّ الانسان للإنسان. وعندما تموت السياسة تكون الحروب والنزاعات، حيث يقتل الانسان الانسان وتصبح الحلول السياسية غاية نبيلة صعبة المنال، كما نسمع الآن في دول النزاعات، وكما سنسمع بعد أيّام في لبنان بعد ان يقرّ الجميع بموت السياسة في لبنان.
تموت السياسة عندما تصاب بنقص المناعة والامراض الخبيثة. وتموت ايضاً بسبب الترهّل وعدم النشاط، وتصاب بالجلطات القلبية والدماغية بسبب الإكثار من السرقات والفساد. وتموت السياسة ايضاً باغتيال القادة والطاقات الخلاّقة القادرة على التجدّد والابداع. وتموت السياسة عندما لا يوجد أناس يؤمنون بالسلام والتسامح والخير العام، لأنّ السياسة حبّ وحياة وكرم وعطاء، تزدهر وتتألّق ويعمّ الخير والسلام عندما يتكاثر الكرماء، وتموت او تشيخ مع البخلاء.
تموت السياسة عندما تنعدم الدقة في المعايير، لأنّ دقّات قلب الأوطان بحساب وحرارة الكيان بحساب  ومناعة الأجيال بحساب، والمواطنية أمّ الدقّة بالحسابات. وعندما تنعدم تلك المعايير تموت السياسة والاوطان كما تموت الاجساد والاصدقاء والمحبّون والأحباب. وتموت الأوطان ايضاً عندما يتولاّها المتديّنون الذين فقدوا الإيمان ولا يخافون الله، وما أكثرهم عند كل المذاهب والطوائف في لبنان.
تموت السياسة عندما تتقدّم الترهات على الحكمة والاتزان، وتتقدّم السفاهة على الأدب والاحترام. وتموت السياسة عندما تنعدم المحرّمات وتصبح المراكز والمواقع والمؤسسات كالمقابر، وعندما تصبح جنازات الأصدقاء الطبيعية اكثر حياة ووقار من التجمّعات والمظاهرات والمؤتمرات حيث تتكاثر الجثث الفكرية والسياسية للحديث عن مستقبل البلاد. إنّها الحياة المأساة التي نعيشها في لبنان.
تموت السياسة عندما يتمّ العبث بالبديهيّات، وينعدم التمييز بين الحلال والحرام، والصحّ والخطأ، والضوء والظلام، وعندما يختلط الخاص بالعام، وينعدم التمييز بين الأولويات والثانويات، والصغائر والكبائر، والحسنات والموبقات، والفضيلة والرذيلة. لقد علّمتني الحياة أنّ السياسة تموت عندما لا تحترم العقود والمواثيق، لأنّ الأخلاق والقيم الجامعة هي روح المجتمعات والدول والاوطان.
توغّل سمير فرنجية الى أقاصي العنف باكراً فأدرك نعمة السلام، وأطلّ على البقاء من الفناء فجعل من السياسة فعل حياة بالتسامح والتأمّل والتمعّن وابتكار التسويات والمبادرات.
ومع نهاية اللقاء الأول بعد الرحيل وموت السياسة في لبنان… سمير فرنجية الى اللقاء.

سمير فرنجية في جبل الزيتون
عقل العويط/النهار/20 أيار/17
“بيتي بيت صلاة يُدعى وأنتم جعلتموه مغارة للصوص” (إنجيل متى، الفصل 21، الآية 13)
… وإذا كان لا بدّ من مسيح، فنحن نراك على طريقة الشاعر المسيح.
في الهواء. على الماء. بين الغيوم. منساباً في الأشعة الشمسية، وتحت ضوء القمر.
ونحن نراك.
في رحابة الحلم وفي تعاسة الواقع.
إنّنا نراك في إهدن. في طرابلس. في عكّار. في صيدا. في صور. في بعلبك. في بيروت. وفي جبل لبنان.
ونراكَ من الأقاصي إلى الأقاصي.
ومن فقش الموجِ الأرعن إلى أعالي الجبالِ العاصيات.
ونراكَ في كلِّ مكان.
في كتب العقل وفي كتب الشعر.
ونراك حيثُ النبلاءُ، الأشرافُ، الأحرارُ، المترفِّعون، الرافضونَ البيعَ والشراء.
مقيماً على السدّة
في بطريركية العقل والحبِّ والحرية
لا حيث في الهيكل
وخارج الهيكل
يتاجر الصيارفة
والوعّاظ وأصحاب القلوب المكلّسة.
وأنتَ تصلّي في جبل زيتونكَ وحيداً وساهراً.
لكنّكَ لا تصلّي على طريقةِ الأصنام، ولا على طريقة اليائسين.
بل على طريقتكَ الموهوبة
من أجل لبنان السلام والعيش معاً.
ومن أجل الإنسان.
من أجل كرامة الإنسان.
تَخترع الأفكار.
تعقد مؤتمراً للحوار.
تشيّد الجسور.
تصالح الملائكة المتنافرين.
تُقنع المستحيلَ بالأمل.
وتُرشِدُ الموتَ إلى الحياة والحرية.
أما نحنُ…
فنحنُ لا نصلّي لكَ بالشِّفاه.
نحنُ نعمل على طريقتِكَ في الإبداع والتمرّد.
وقد نتّفق. وقد نختلف.
لكننا نُحبُّكَ يا سمير.
إننا نحبّك يا سمير، وإننا نعاهد.
من أجلِ مَن أنتَ.
ومن أجلِ لبنان.
وإذا كان لا بدّ من جبل زيتون، فأنتَ في جبل الزيتون.
* لمناسبة الذكرى الأربعين لغياب سمير فرنجية، أقيم في كنيسة مار مارون الجميزة، اليوم الجمعة، 19 أيار، 2017 قدّاس على نيّة الرجل الوطني الكبير.