علي الحسيني: البطالة «سلاح» حزب الله «لاجتياح» ..أجيال الجنوب

43

البطالة «سلاح» حزب الله «لاجتياح» ..أجيال الجنوب
علي الحسيني/المستقبل/07 أيار/17

يدخل الزائر إلى الجنوب من بوابة الزمن الجميل، وفي البال مساحة ولو ضئيلة من ذكريات تروي في كل مفصل منها حكاية أرض تختصر معاناة طويلة مع الإحتلال الإسرائيلي. زمن له في كل قرية رواية وفي كل ساحة قصة شاب في مقتبل العمر، خرج من تلقاء نفسه لمواجهة الإحتلال عند «المفرق»، أو أثناء تجمع عناصره على طريق البلدة العام. تدخل قرى الجنوب وفي البال كبار السن وهم يتوزعون في ساحة البلدة وتأخذهم الحكايا والحنين إلى أبناء رسموا طريقهم بين الشوك في الوديان والجبال، لكنهم خلّفوا وراءهم عناوين ما زالت محفورة في الوجدان، حتى ولو تعمّد البعض جعلها طي النسيان.

زمن الأوّل تحوّل. ساحة الذكريات والبطولات في قرى الجنوب، قد خلت من روّادها ومن تعداد الحكايات المجبولة بتراب الأرض، ليحلّ مكانها مجموعات من الشباب العاطلين من العمل. تبدّلت القصص القديمة بأوجاع تُحاصر شُبّاناً وُضعوا أمام خيارين: إمّا العيش بذل على قارعة الحياة من دون التفاتة ولا محاولة مدّ يد المساعدة من الجهات المسيطرة عسكرياً وأمنياً واجتماعياً، وإمّا أن يتقبّلوا واقعاً مفروضاً عليهم فيتحولون من خلاله إلى عمّال في مشروع أقصى ما يُمكن أن يتبوأوا فيه، منصب «شهيد الواجب الجهادي».

لكل شاب في قرى الجنوب، قصّة وغصّة مع وضعه. هم في مقتبل العمر لا يجدون لأنفسهم مكاناً لا داخل القرى ولا خارجها، جلّ ما يُمكنهم فعله، الجلوس داخل دُكان صغير عبارة عن مقهى، ينفثون بداخله دخان نراجيلهم الممزوجة بالقهر والدموع والعتب. عتب على الدولة التي تركتهم يواجهون مصيرهم مع أحزاب لا ترى فيهم سوى مشروع موت يثبّتون عبرهم مشاريع خارجية على أرض كانت حمتهم واحتضنتهم يوم حاول عدوّهم الإسرائيلي، تهجيرهم وطردهم من أرضهم. وهم يسألون اليوم، لماذا كل هذا التجييش المذهبي ضد شعب لم نرَ منه سوى كل خير وهو الذي احتضننا كما احتضننا أبناء بلدنا يوم استهدفنا مخطط التهجير الإسرائيلي؟

المفارقة أن «حزب الله» المسؤول الأبرز وليس الأوحد، عن جزء كبير من البطالة الحاصلة ضمن مناطقه التي يُسيطر عليها من الجنوب إلى البقاع، أطلّ أمينه العام السيد حسن نصرالله أوّل من امس، ليوجّه «التهنئة للعمال لا سيما عمّال لبنان». ورأى أن «البطالة تؤدي إلى الطلاق والعمالة والمخدرات وغيرها من الأمور، وهذا الملف بحجمه تتحمل مسؤوليته الحكومات والدول»، داعياً الحكومة اللبنانية إلى «متابعة ملف البطالة ومعالجتها والإستفادة من تجارب العالم». وكلام نصرالله هذا، تواجهه مساحات شاسعة من أراضي الجنوب لم يعد فيها نبات ولا حياة، فقرى «الليطاني» و«الوزاني» و«الحاصباني»، تتضوّر أراضيها عطشاً ويُصاحبها مشاهد وإن قليلة جدّاً، لمزارعين يسعون إلى لقمة عيش كمن يبحث عن سراب في صحراء، فلا همَّ إن لفحتهم أشعة الشمس ولوّنتهم بسمرتها، فالمهم هو العودة إلى البيت وفي الزوّادة المُرتجعة زاد يكفي العائلة ولو بكسرة خبز أو «شويّة خضرة خرج السلق». بينما في الحقيقة، أن المياه أصبحت حكراً على جماعات «حزب الله» يتحكّمون بتوزيعها وبيعها من خلال الآبار الخاصة وغير المرخصة بسعر عشرنن الف ليرة ثمن «النقلة».

«كُن معنا وخذ ما يُدهش العالم». شعار يرفعه شُبّان الجنوب كتعبير عن استيائهم لكل ما يحصل في بلداتهم وقراهم عن طريق «حزب الله»، لكنهم يُدركون فعلاً أن أصابع اليد لا تُشبه بعضها بمعنى أن هناك بعض العناصر في الحزب لا ناقة لهم ولا جمل في كل ما يحصل إذ ان كل همّهم، حماية أهلهم وعائلاتهم ونشلهم من العوز والفقر حتى ولو كان الثمن تقديم حياتهم على مذبح الإيراني في سوريا. ما يُدهش هؤلاء الشبان بحسب قولهم، هو «البطاقة الحزبية» التي تخوّل حاملها الحصول على مساعدات مادية وتموينية ومعنوية، ويُعامل على أساس أنه إبن «الست» لا إبن «الجارية», كما تسمح له هذه البطاقة، باقتطاع مساحة لا بأس بها من أراضٍ مشاع للدولة ليبني عليها منزله المستقبلي أو عمله الخاص، من دون أن ننسى هدية «القائد» وهي عبارة عن أثاث المنزل.

هي «وشوشات» تمتد من الأهالي إلى الشُبّان ومعظمهم يخشى وصولها إلى قادة جهات نافذة في «حزب الله»، فعندها يُمكن أن يوضع الشخص في خانة «العمالة» أو مُحرّضاً على «المقاومة». فئة من الشبان لا تُبالي بكل ما يُمكن ان يحدث معها بعدما أصبح الوجع يفوق قدرة تحملها. أحدهم يُخبر عن إشكال مع رجل سوري الجنسية حل مكانه في عمله، ولدى تفاقم المُشكلة، تم استدعاؤه لاحقاً إلى مكتب للحزب حيث جرى التحقيق معه لساعات طويلة، لم يخرج منه إلا بعد توقيعه على استمارة يتعهّد فيها بعدم التعرّض للرجل ثانية. واللافت في الموضوع، كما يقول الشاب، أن دفاع «حزب الله» عن الأخير كان على خلفية أن العامل السوري هو شقيق ضباط في جيش النظام السوري. «هذا هو حالنا نحن الشُبّان في معظم قرى الجنوب».

من صور إلى برج رحّال وصولاً إلى جويا فالشهابية وكفردونين مروراً بشقرا وتبنين وكونين وبنت جبيل وباتجاه قرى الشريط الحدودي، ثمة هاجس وحيد يُسيطر على أهالي الجنوب، هو إجتياح إسرائيلي جديد. جولة «حزب الله» الأخيرة للإعلاميين، لم تكن برأي معظم أهالي الجنوب بريئة، بل هي كانت بمثابة رسالة إيرانية مفادها أن إيران ما زالت حاضرة في قلب الجنوب وبأنها على استعداد لفتح الجبهة فيه في حال تعرّض مصالحها في المنطقة لمضايقات أميركية. وهؤلاء الأهالي لم ينسوا حتّى اليوم، معاملة «حزب الله» لهم بعد سقوط منازلهم في العام 2006 بحيث تم توزيع المال على طريقة، هذا ابن جارية وهذا ابن «حزب الله».

يخرج الزائر من القرى سالكاً طريق الخيبة بعد المرارة التي لاحظها في نفوس الشباب. بلدات غارقة في همومها والبطالة هي العنوان الأبرز. ومع هذا يُصرّ الشبان على انها مرحلة ولا بد ان تنتهي، فهم يأخذون العبرة من روايات يسمعونها من أجدادهم وآبائهم بأن فرعون وبعد أن تحكّم بمصير الشعب وأذلّه وأفقره وجعل من نفسه وليّاً وإلهاً عليه، كانت نهايته الغرق. وجملة ما تختصره من هؤلاء، «سنرضخ للذل بأشكاله المتعددة، لكنّنا لن نقبل بأن نتحوّل إلى مشروع شهادة».