مصطفى علوش: السفسطائية اللبنانية حول قوانين الانتخابات

48

السفسطائية اللبنانية حول قوانين الانتخابات
مصطفى علوش/المستقبل/06 أيار/17

«كأننا والماء يجري حولنا قوم جلوس حولهم ماء  كل الرجال على العموم رجال أما النساء فكلهن نساء مالي أرى الثقلاء تكره دائما ولا شك عندي أنهم ثقلاء» (أبو الحسن)

كان سقراط، حسب المتعمقين في دراسة الفلسفة اليونانية، سفسطائياً من الدرجة الأولى، فقد كان يتقن فن الكلام، وكان واسع الباع في إنتاج الحجج لذكائه الفائق، ويتمتع بشخصية آسرة، رغم تضاريس وجهه النافرة وملابسه الرثة. لكنه رغم ذلك أصبح مشكلة خطيرة في وجه الإستقرار العام لأن جمهرة واسعة من الشباب والنخب كانت تنصت لكلامه وتعجب بقدرته على إفحام الآخرين.

كان سقراط أيضاً يرفض تدوين كلامه، وقد تركت هذه المهمة بعد إعدامه سنة ٣٩٩ قبل الميلاد لأفلاطون الذي حوّل أستاذه الإفتراضي إلى أسطورة من خلال الكتابات التي صارت مرجعاً أساسياً للفقه السياسي والفلسفي والديني على مدى ستة عشر قرناً من الزمن، إلى أن أتى إبن رشد ووضع تلميذه أرسطو في الواجهة بدلاً منه.

ما لنا ولهذا الكلام الآن، فالحديث الآن ليس عن سقراط ولا عن أفلاطون ولا عن أرسطو، فقد كانوا يعيشون في عالم متمحور حول نشاط العقل والمنطق، والأهم على قلة نشاط العقل وضعف المنطق وانعدام المعرفة لدى الأكثرية الساحقة من الناس المحيطة بهم، وأكثريتهم أيضاً لم تكن قادرة على الكتابة أو القراءة يومها، وحتى في أثينا ذاتها. فورق البردى كان يأتيهم من مصر، وكان نادراً وثميناً لدرجة جعلت استعماله محصوراً بنخبة الناس.

المصيبة اليوم هي أننا، وبالرغم من معرفة أكثريتنا الساحقة بالكتابة وقدرتنا على القراءة، فإن حواسنا اصبحت محصورة بالسمع والنظر، وبالغرائز الأولية.

لذلك، فإن قادة القوم هم مجدداً ملوك السفسطائية، وهم قادة الرأي العام، أصحاب الألسنة العبقرية في استنباط الحجج والردود الذكية على كلام سفسطائيين آخرين، ولكن ليس لإيجاد حلول، بل لإثبات القدرة على تعطيل حجج الآخرين! وليس الدليل على ذلك إلا الجدل القائم اليوم الذي يشبه الردح المهذب بين المحافظين على الحقوق والدساتير.

بكل صراحة وشفافية، وحتى ببعض الحيادية، هذا هو المشهد اللبناني اليوم حيث خرج السجال السياسي من دائرة إدارة شؤون الناس والسعي لتأمين الإستقرار والعمل على تأمين الأمن الإقتصادي، إلى مجرد تذاكٍ لفظي ولعب على الكلام، بحيث تحول هؤلاء القادة إلى مجرد أعضاء في جوقة زجل، بإمكانهم إدهاش الناس، وتسلية الجمهور،لكنهم غير قادرين على القيام بأي شيء نافع، وعنوان حفلة الزجل اليوم هو قانون الإنتخابات، والأدوات هي مجرد مجموعة من الألسنة المتذاكية المدعية الحرص على «صحة التمثيل وحقوق الطوائف ورعاية العيش المشترك والدفاع عن التعددية»!

لكن المواطنين أمثالنا توقفوا عن القراءة، وأعلنوا الإضراب عن السمع وعن النظر وحتى اللمس، رغم أن حاسة الشم بقيت تنبئهم بأن النار هي تحت أكوام النفايات السياسية والمذهبية.

بكل صراحة، لن يكون هناك قانون انتخابي جديد، وكل البهلوانات الراقصين على حافة الهاوية اليوم، من سفسطائيين ومغامرين وعقائديين، يلعبون لعبة عض الاصابع، والأرجح لعبة الروليت الروسية، وكل واحد ينتظر ظروفاً افضل له حين تخترق رصاصة دماغ لاعب آخر، وهو غافل أن الرصاصة قد تكون من نصيب دماغه هو، وأدمغة تابعيه الذين يجهلون القراءة والكتابة، ولم يفتحوا يوماً كتاب تاريخ.

(*) عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»