الدكتورة/رندا ماروني: يا شعبي قوم وطالب

337

يا شعبي قوم وطالب
الدكتورة/رندا ماروني/18 آذار/17

يا شعبي قوم وطالب حتى يشيلو الضرايب، عبارة ترددت بعفوية في المظاهرة الاحتجاجية على الجلسة المنعقدة في مجلس النواب خصيصا لإقرار قانون يتضمن سيل من الضرائب يطال الطبقات الفقيرة، كما لإقرار قانون سلسلة الرتب والرواتب، فأتى الاعتراض الشعبي احتجاجا على تمويل السلسلة من جيبه ولقمة عيشه، كما أتى موقف الهيئات الإقتصادية رافضا لفرض زيادات ضريبية، هذا الرفض أتى ببيان صدر في 14 آذار الجاري، تضمن رفض الزيادات الضريبية، ويرى البيان أن هذه الضرائب تستهدف في المقام الأول القطاع المالي والقطاعات الإنتاجية، حيث ستتكون مترتبات كارثية على مجمل الواقع الإقتصادي، كما رأى أن هذه المرحلة هي مرحلة سياسية إنتخابية دقيقة لا تتيح تشريعا ضريبيا يتماشى مع مستقبل البلد إنطلاقا من رؤية إقتصادية واضحة.

فيما كان الهدف المبيت للسلطة بحجة تمويل السلسلة، هو تغطية عجز الموازنة المنتظرة، فعدم لحظ إعتمادات في المشروع مخصصة لتمويل تعديل السلسلة وعدم لحظ الإجراءات الضريبية المقترحة، حيث تقدر الإعتمادات بنحو 800 مليون دولار، في حين ان الإجراءات الضريبية تقدر بأكثر من 1.6 مليار دولار، أي الضعف، يدلان بوضوح عن الهدف الحقيقي من السلة الضريبية التي أقرت للمرة الرابعة في إجتماعات اللجان النيابية المشتركة وحولت المشروعين إلى مجلس النواب.

هذا الاحتجاج وهذا الصراخ خارج الصرح البرلماني لم يوقف المجتمعين من الموافقة على بنود ضرائبية من القانون المذكور تطال الفقراء، كما لم يردعهم من تمرير مشاريع إذا لم نقل يشوبها الهدر والفساد إنما لا تحتل سلم أولويات حاجات المواطنين، حيث بلغ قيمة إحداها النصف مليار دولار، بشطبة قلم إقرت دون أن يرف لهم جفن، وعندما حان البحث في مسألة سلسلة الرتب والرواتب طار النصاب، وخرجوا بإبداعا مسرحيا حلقوا في تجسيد أدواره لكنه بقي في حكم المواطن مسرحا دراميا يبكي المشاهد وجعا وقرفا على إنحطاط الرواية المصاغة، فإنصدم المشاهد بما رأى في غير مكانه، حيث أنه كان من الممكن أن يصفق لهم لو كانوا فعلا على خشبة المسرح، أما أن نشاهد ما شاهدنا داخل الصرح البرلماني، المكان المفروض أن يكون في أعلى درجات الجدية والإلتزام بحل أمور الناس بكل شفافية وأن يحوي هذا الصرح رجالا على قدر عال من المسؤولية والصدق، فكانت المفاجأة وقحة ومستخفة بذكاء المشاهد، وبرهنوا أنهم أغبياء فوق العادة، ربما لأنهم إعتادوا على مواطن صامت مصفق دائما، تابع ومؤيد على عماها، أو ربما لأنهم إعتادوا تمرير ما يريدون دون إعتراض أو مراقبة أو تدقيق من أحد، فهم لا يستثيغون المحاسبة، ولا الصوت المعارض، فلم يتوانو عن التهديد برفع الحصانة النيابية عن النائب سامي الجميل، كأننا في نظام فوقي ديكتاتوري، لا يجوز وجود للمعارضة فيه، فهم أوصياء على الشعب اللبناني وصاية الملوك على الفقراء.

والحجة الأغرب لإنسحابهم وتطيير الجلسة، كان لائحة ضرائبية سربت عبر الواتس آب وتم التداول بها عبر وسائل التواصل الإجتماعي، فأتت ردة الفعل عنيفة ومهددة، وشكلت ردة الفعل هذه تصرفا غير متوقعا من رجال دولة على أمر تافه، هذه الحجة أتت كعذر أقبح من ذنب، حيث كانو يستطيعون بكل بساطة تصويب الأمور بعرض اللوائح الصحيحة، إنما في مقارنة بين ما تم التداول به من ورقة مسربة وما تم الموافقة عليه من بنود ضرائبية، فالاثنين مثقلتين بالأرقام التي سوف ترتب أعباءا حياتية إضافية على عاتق الفقراء، وما أقروه ليس بأقل مما سرب ليستوجب ردة الفعل المصعدة منهم.

فالضريبة على الودائع ستهدد مدخول عائلات كثيرة متواضعة المدخول، وستقلص حسابات توفير المتقاعدين في القطاع الخاص الذين لا يتقاضون معاشات تقاعدية، والضريبة على المازوت سترفع أسعار منتجات كثيرة كالسلع الغذائية وسعر ربطة الخبز، والقيمة الشهرية لفاتورة مولدات الكهرباء، ووسائل النقل، وزيادة رسم الطابع المالي النسبي ستطال كل معاملات المواطنين، والضريبة على الإسمنت وعلى إستخراج البحص والرمل، سترفع أسعار الشقق السكنية مع العلم أن الأسعار الحالية هي مرتفعة جدا بالمقارنة مع القدرة الشرائية للمواطن اللبناني، ولم يقتصر ضرب المواطن في حقه بالسكن من خلال رفع سعر الأسمنت والبحص والرمل فقط إنما من خلال فرض ضرائب إضافية على الأملاك المبنية، ورفع قيمة الضرائب التي يستوفيها كاتب العدل ومنها ما يختص بعقود البيع، كما رفع الضرائب على رخص البناء، وفرض ضريبة 15 % على أرباح التفرغ عن العقارات التي تعود لأشخاص طبيعيين ومعنويين مما يعني إذا أردت أن تبدل منزلك بآخر عليك أن تدفع 15% من قيمة فرق سعر منزلك القديم إلى الخزينة كضريبة، هذا عدا عن رفع معل الضريبة على القيمة المضافة TVA الى 11% ورفع سعر الطوابع المالية على فواتير الكهرباء والفواتير والايصالات التجارية التي تطال كافة المشتريات والمستلزمات المنزلية، ورفع سعر الطابع المالي على السجل العدلي الذي يحتاجه عادة العاطلين عن العمل في التقدم للوظائف، كما فرض رسوم سير إضافية، ومضاعفة الرسوم التي يستوفيها كتاب العدل لصالح الخزينة ورسم خروج على المسافرين عن طريق البر والبحر والجو، وفرض رسم مقطوع على السلع المستوردة من الخارج ضمن مستوعبات، وهذا البند بالذات يحتاج إلى تدقيق ودراسة انعكاساته الاقتصادية على الأسواق الداخلية.

لقد تمت الموافقة على سبعة وعشرون بندا ضريبيا البعض القليل منها يطال أصحاب رؤوس الأموال، ومن هنا أتت معارضة الهيئات الإقتصادية على مشروع القانون فعرضت مبلغ بقيمة 850 مليون دولار تدفعها المصارف لمرة واحدة تحت عنوان أرباح الهندسة المالية التي أجراها مصرف لبنان مع المصارف، والتي أمنت لها 5.5 مليار دولار أرباح تضاف إلى 2 مليار دولار أرباح سنوية، الأيام المقبلة كفيلة بتحديد وجهة السير الجديدة في ظل تصاعد الرقابة الشعبية، وعدم الثقة بطبقة فاسدة تزداد تضامنا وفسادا، تضع يدها على المال العام، وتملك وسائل كثيرة في مواجهة مواطن أعزل، والتي أتت تحت عنوان: يا شعبي قوم وطالب.

يا شعبي قوم وطالب
حتى يشيلو الضرايب
فيها ذل وفيها جوع
وفيها زيادة مصايب

يا شعبي انت مخذول
والحاكم منو مسؤول
عجل سكر تم الغول
وقف هدر المزارب

يا شعبي انت مجروح
وسكوتك منو مسموح
عليلي الصوت المبحوح
وافرش كل الملاعب

حتى يقولو الساكت صار
بيلعلع ما عاد حمار
وقف عهد الإنكسار
ودع شمس المغارب

علي بيرق فجر جديد
حاسب دقق عيد وزيد
أوعى تخضع لتهديد
فجر فيهن عجايب

يا شعبي قوم وطالب
حتى يشيلو الضرايب
فيها ذل وفيها جوع
وفيها زيادة مصايب