علي الحسيني/حزب الله «يعلّل» خسائره و«يُهلّل» للنظام

44

حزب الله «يعلّل» خسائره و«يُهلّل» للنظام
علي الحسيني/المستقبل/01 آذار/17

يُشيح إعلام «حزب الله» بنظره عن مشاهد موت يعلم أنها يُمكن أن تؤثّر عليه سلباً داخل بيئته. مشاهد لا تنطبق ضمن «مشروع» تسويق «الإنتصارات» في سوريا ولا حتّى الشعارات التي إنزلق على أساسها في هذه الحرب التي ما زالت مفاعيلها ترتد عليه سلباً، على الرغم من انكفائه عن بعض الجبهات، إمّا طوعاً أو إكراهاً على غرار ما حصل معه في حلب حيث كُفّت يده فيها عن أي عمل ميداني بأمر روسي.

سقوط قادة وعناصر للحزب في سوريا لا يزال على ما هو عليه، في وقت يغيب فيه إعلامه عن تسمية الأمور بأسمائها خشية تبدل المزاج داخل بيئته بعدما انتفت الحاجة إلى وجوده في العمق السوري ولم يعد يوجد هناك أي مُبرّر لبقائه بعد «سقوط» حلب، خصوصاً وأن قادة الحزب أنفسهم وعلى رأسهم أمينه العام السيد حسن نصرالله، لطالما أكدوا لجمهورهم قبل الآخرين، بأن حلب هي «عنوان الحرب الدائرة في سوريا، واستعادتها من المُسلحين مدماك أساسي لإستعادة سوريا كاملة». والسؤال الأبرز في هذا المجال، لماذا سقوط قادة وعناصر من الحزب وآخرهم القيادي البارز خليل مرجي الذي قضى في درعا أوّل من أمس، طالما أن «حزب الله» كان هلّل لـ «سقوط» حلب التي كان يعتبرها «نقطة الحسم»؟.

ربما الوقت بالنسبة إلى «حزب الله»، لا يسمح له بالإعتراف بخسائره سواء كبر حجمها أو صغر. وربما سياسة التعمية عن الحقائق هي التي تتطلب منه ذلك في هذا الوقت الصعب الذي يمر فيه في سوريا، كونه واقعاً بين هاجس المؤتمرات والخوف من الإنقلاب عليه، وبين أن يعود من هناك، بخفّي حُنَيِن. ولذلك حوّل الحزب مجمل تركيزه العسكري والأمني اليوم، على مدينة حمص وأريافها، خشية أن «يخرج من المولد من دون حمّص». واستتباعاً لهذا التحوّل، ركّز اعلامه خلال الساعات الماضية، على صحراءِ ريفِ حمص الشرقي وراح يُعدد «إنجازات» جيشِ النظام في مناطق البيارات وجبل الهايل الاستراتيجي وعند تخوم مدينة تدمر.

من المؤكد أن «حزب الله» الذي زُجّ به في الحرب السوريّة بأمر إقليمي، كان وضع خُططاً إستراتيجية مُسبقة لهذه الحرب من ضمنها التأقلم معها في حال طال أمدها. لكن الأكثر تأكيداً، أنه لم يُدرج في حساباته الرقم الذي وصل اليه اليوم عدد خسائره البشريّة هناك. ومن هنا يخرج جمهوره بإستنتاجات وتساؤلات من شأنها أن تضع الحزب أمام خيار واحد وهو تقديم إجابة شافية، وإلّا فأن الأمور قد تتعاظم مستقبلاً، بينه وبين بيئته التي ترى أن من حقّها التحضّر لمرحلة تقوم على قاعدة أنه عندما يُغرق الحزب نفسه في حرب هو نفسه لا يعرف متى ستكون نهايتها وعلى أي شاكلة، وعندما يُصبح عاجزاً عن ترجمة وعوده خصوصاً في ما يتعلق بـ «النصر» وتحرير الأسرى، وعندما يُصبح في خندق واحد مع الإيراني والروسي، أحد أبرز ضُبّاط إيقاع الحرب السورية إلى جانب الأميركي والإسرائيلي، وعندما يعجز عن منع الموت عن عناصره وكوادره أو حتّى حمايتهم، عندها يُصبح من حق هذه البيئة مُساءلته، عن جدوى استمراره في هذه الحرب وعن دماء الشُبّان التي ما زالت تنزف موتاً.

هو سقوط مُستمر لن ينقطع طالما أن «حزب الله» يُصرّ على تحوير الحقائق من خلال تبديله وقائع وتجليّات المشهد السوري بحسب ما تهوى نفسه. يروّج لإنتصار هنا ونصر هناك، لكنّ خلف هذه الأوهام، أجساداً تسقط خدمة لمشاريع لا تُشبه بيئته ولا تنتمي إلى عقائدها لا الدينية ولا الدنيوية. وحتّى اليوم، لا تزال صرخات أهالي عناصره، محصورة بأمر من ذاك الإقليمي في مكان ما، ومن غير المسموح لها بالظهور إلى العلن. صرخات يصعب إحصاؤها بشكل دقيق طالما يوجد تعتيم مُفتعل معطوف على «التكليف الشرعي» و«الواجب الجهادي» بشكل رئيسي، وعلى الخوف من مصير مجهول يُمكن أن يضع أصحاب الدم، في خانة العمالة أو التهرّب من المسؤولية أو «الواجبين» معاً، في حال تجاوزت صرخاتهم الحد المُتعارف عليه داخل المنظومة الفكرية و«الجهادية».