إيلي القصيفي: عون يمهل ولا يهمل

64

عون يمهل ولا يهمل
إيلي القصيفي/المدن/15 شباط/17

ما كادت الأيام المئة الأولى من ولاية الرئيس ميشال عون تنقضي حتى بدا أن المسار الرئاسي أخذ منحى لم يكن متوقعّاً أو مستحبّاً لدى كثيرين، خصوصاً أولئك الذين انقلبوا من خصومة عون إلى تأييده بعد “التسوية الرئاسية” والذين كانوا طيلة الفترة الماضية يذكّرون بخطاب القسم كدليل على سياسة الرئيس الجديدة التي لا تشبه سياسته ما قبل الرئاسة.

تزامن مواقف عون الأخيرة من سلاح حزب الله مع مرور مئة يوم على توليه الرئاسة يحمل مفارقة. فالتسوية الرئاسية التي أوصلت عون إلى قصر بعبدا حملّت من جانب أركانها وعوداً بانقلاب الوضع اللبناني المتدهور رأساً على عقب لمجرد انتخاب الرئيس. أي أنّ الانتظام سيعود إلى عمل المؤسسات مع ما لذلك من انعكاسات ايجابية على يوميات اللبنانيين. إلّا أنّه وبعد مرور مئة يوم على الولاية الرئاسية لم يلمس اللبنانيون تغييراً في يومياتهم، والتفاؤل الذي تسلل إلى نفوس كثيرين منهم وإن بحذر مع انتخاب الرئيس، سرعان ما ضمر. في المقابل، اختتمت الأيام المئة هذه على مواقف رئاسية تعيد التذكير بالإنقسام المزمن في لبنان في شأن سلاح حزب الله، وهو الانقسام الذي كان ولايزال العنوان الرئيس للأزمة اللبنانية منذ العام 2005.

والحال هذه يمكن القول إنّ إنقضاء الأيام المئة الأولى من ولاية عون كان بداية لمرحلة سياسية جديدة في لبنان. صحيح أنّ المواقف التي صدرت في الداخل اللبناني تعقيباً على حديث عون للقناة المصرية لا تؤشر إلى اهتزاز التسوية الرئاسية. وهذا ربما دافع إضافي لعون ليقول ما قاله دون التفكير بتداعياته المحتلمة على التسوية هذه. وموقف الرئيس سعد الحريري الإثنين بأنه “لن يسمح بعودة الانقسام مجدداً” تطمئن عون أكثر وتدفعه ربّما إلى مزيد من مثل هذه المواقف. لكن في المقابل من الصعب الاعتقاد أنّ كلام عون عابرٌ وبلا أثر على الوضع السياسي أو أنه لا يحمل رسائل أو مؤشرات سياسية ولا يؤدي إلى “تراكم سلبي” في العلاقة بين أطراف التسوية.

يتزامن كلام عون مع تصعيد سياسي في لبنان على خلفية القانون الانتخابي ومع بداية مرحلة جديدة من السياسة الأميركية في المنطقة يبدو حتى الآن أنّها تحمل نزر مواجهة مع إيران مقابل استعداد للتعاون مع خصومها وفي مقدمهم السعودية. هذا التزامن ليس بلا تأثير بطبيعة الحال على الوضع اللبناني. وها هو السيد حسن نصرالله يصف الرئيس الأميركي الجديد بالأحمق، ويهاجم تركيا ويذكّر بـ”انتصار حلب”، ويدعو إلى تنسيق الحكومة اللبنانية مع الحكومة السورية في مسألة اللاجئين. وهي دعوة يكرّرها حزب الله وليس التيار الوطني الحر بعيداً عنها وقد ألمح عون خلال زيارته الخليجية الأخيرة إلى مسائل قد تستدعي التنسيق مع الجانب السوري، ومنها مسألة النازحين (علماً بأنّ اجتماعاً أمنياً لبنانياً- سورياً حصل الأربعاء الماضي للبحث باعادة فتح معبر القاع- حمص). وليس خافياً أن هدف هذه الدعوة فسح المجال لتنسيق سياسي وأمني مع النظام السوري يوظف لاحقاً في السياقين العربي والدولي. وهذه الرغبة بفتح نوافذ عربية للنظام في دمشق أوحى بها كلام الرئيس عون من مصر، حيث دعا الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى “إطلاق مبادرة إنقاذ عربية لمكافحة الإرهاب والعمل على إيجاد حلول سياسيّة لأزمات المنطقة، لاسيما الأزمة السورية”. ومعلوم موقف مصر من المسألة السورية. كما ورد أنّ عون سيطرح خلال زيارته المصرية عودة سوريا إلى الجامعة العربية. وكلّ ذلك يوحي بأنّ زيارة عون إلى القاهرة ذات وظيفة إقليمية لا لبنانية فحسب.

بالعودة إلى ارتدادات مواقف عون من سلاح الحزب في الداخل اللبناني، فقد كان لافتاً موقف رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الذي ردّ ولأولّ مرّة منذ أشهر على خطاب السيد نصرالله الأحد. مضمون كلام جعجع يوحي وكأنه أراد منه ضرب عصفورين بحجر واحد. أي إنّه وإن لم يتناول مواقف عون الأخيرة بالمباشر خشية إيذاء تفاهمه معه قبل الانتخابات، إلا أنّه في رفضه النسبية الكاملة وفي معارضته التنسيق مع النظام السوري يرّد بطريقة غير مباشرة على عون الذي يدعو إلى هذين الأمرين أيضاً. لكن موقف جعجع يتجاوز في دلالاته مسألة قانون الانتخاب ويؤخذ من حيث كونه تصعيداً سياسياً على هامش التسوية الرئاسية التي كان أحد أركانها.. تصعيد جعجع يتزامن مع تصعيد جنبلاطي ليس بشأن قانون الانتخاب فحسب بل أيضاً في وجه عون والحريري، وهو ما يستشف من تغريدته عن استبعاد الوزيرين مروان حمادة وأيمن شقير من الوفد الرئاسي إلى القاهرة. ناهيك بتصعيد الرئيس عون وتياره كما حزب الله.

إذاً، هناك مناخ سياسي تصعيدي في بيروت وباتجاهات مختلفة، فلكل من القوى غاية ووجهة من التصعيد. في وقت لم تستقر بعد خريطة التحالفات بعد التسوية الرئاسية. وإذا ما وضع هذا التصعيد في سياق التطورات لإقليمية والدولية بعد انتخاب ترامب فهو ينذر بمرحلة جديدة في الداخل اللبناني مختلفة عن تلك التي واكبت التسوية الرئاسية في تشرين الأول الماضي، وقد لا تسلم فيها التحالفات أو التفاهمات الجديدة في البلد!