الكولونيل شربل بركات: قصة المدلكة التي كانت تستعمل قديماً لرص اسقف البيوت الترابية

334

 المدلكة : كانت تستعمل قديماً لرص اسقف البيوت الترابية
الكولونيل شربل بركات/10 شباط/17

في بيوت عين إبل الترابية القديمة كان التراب الأبيض مستعملا بكثرة فهو من جهة يغطي سقف البيت كونه عندما يرصّ بواسطة المحدلة (المدحلة) يصبح متماسكا لا يتسرب منه الماء وهكذا فعندما يبدو على السماء استعدادا للمطر يركض صاحب البيت أو الأولاد إلى السطح لدحله قدر الامكان كي يزيد تماسكا ويمنع تسرب الماء الذي سيهطل إلى داخل البيت (يمنع الدلف). ولكن ليس السطح وحده مغطى بالتراب الكلسي الأبيض فالحيطان الداخلية أيضا مغطاة بالطين الأبيض المخلوط بالقش وهو عندنا مخلوط بالقصل لأن بقية أنواع القش مستعملة كغذاء للحيوانات الأليفة ولا يبقى غير مستعمل (أي لا يدخل التبان) إلا القصل الذي يجمع بعضه ليسهم مجبولا مع التراب الكلسي كما قلنا بعملية توريق الحيطان الداخلية خاصة ليصبح البيت أكثر ترتيبا وأقل مساحات لعشعشة الحشرات على أنواعها ومن الخارج تكسى به الحيطان داير السقف وعلى ارتفاع اقل من متر لمنع التسرب والنش. هذا فيما يتعلق بهيكل البناء وتأمينه ضد المطر وتسرب المياه ولكن ماذا عن الأرض؟

البيت العينبلي كما أغلب البيوت القديمة كان يتألف من اسطبل للحيوانات ومصطبة لسكن العائلة وبين قناطره تقف الخلايا التي تحوي كل غلة الحبوب والرفوف الطينية التي تتربع عليها النعائر أو التي تحمل الفرش وحتى الثياب كما يقبع في إحدى زواياه مدخنة مصنوعة أيضا كما الخلايا والرفوف من الواح الطين المجفف يغطيها طبقة خفيفة من الطين لتجعلها تتماسك. أما أرض المصطبة التي تستعملها العائلة للنوم والجلوس والاستقبال وكافة النشاطات الاجتماعية وهي أيضا مغطاة بالطين فيجب أن تكون ناعمة (ملسة) ويمكن تنطيفها بشكل عادي (كنسها) ولكن كونها اساسا من الطين فهي معرضة لأن تصدر الغبار ولمنع ذلك كان أهلنا يقومون بتغطيتها بمادة العكر وهي بقايا الزيت والماء الذي ينتج عن عملية تنقية الزيت بعد درسه وهي مادة يمتصها التراب ولكن لكي يصبح ناعما تقوم ربة البيت بدلكه بواسطة المدلكة وهي حجر أملس بدون زوايا يؤتى به من المجاري المائية وخاصة الشواطيء ولا يوجد بجوار القرية ولذا فإن المدلكة تعتبر آلة مهمة لا يستغنى عنها بسهولة ولا يفرط بها.

كانت ربة البيت إذا تفرش الأرض بمادة العكر وتبدأ بدلك تراب المصطبة بواسطة المدلكة حيث يصبح مع الزيت أملسا متراصا وعازلا للماء وبذلك تسهل عملية تنظيفه فيما بعد وهذه العملية عادة تجري مرة في السنة ولكن أحيانا تضطر صاحبة البيت للقيام بها مرات أخرى إذا ما بقي شيئا من العكر خاصة قبل الأعياد الكبرى. وكانت المصطبة تغطى بالحصر والبسط لتخفيف التماس مع تراب المصطبة وعندما وصلت حضارة الستراكولا وهي كناية عن بساط من البلاستيك (يشبه إلى حد ما الVinyl الذي يستعمل اليوم) كانت هذه ثورة في عالم البيوت الترابية إذ وفرت الكثير من العمل لأن الستراكولا كانت تلتصق بالأرض وتصبح كالبلاط سهلة التنطيف حتى بالماء.