علي الحسيني: حزب الله» يستعيد زمن «انتصارات».. الصحّاف

146

حزب الله» يستعيد زمن «انتصارات».. الصحّاف
  علي الحسيني/المستقبل/03 آب/16

في وقت مضى، أفرد قادة «حزب الله» وعلى رأسهم الأمين العام السيد حسن نصرالله، مساحات واسعة على محطات إعلام «الممانعة»، للحديث عن الإعلام او ما يسمونه «لعبة الإعلام» ودوره في صناعة الخبر أو قولبته. وقد سلك الحزب هذا المنحى خلال حروبه السابقة مع إسرائيل ومنها على سبيل التذكير «إذا قصفتم بيروت سوف نقصف تل أبيب» وجملة «ما بعد بعد حيفا».

 هذه «اللعبة» التي أتقنها «حزب الله» ومارسها وفعلت فعلها نوعاً ما في وقت من الاوقات، يعجز اليوم عن ممارستها او حتّى تطبيقها على النحو السابق خصوصاً أمام جمهوره الذي بدأ يحصد خيبات الأمل من جرّاء الإنكسارات والإنهزامات التي يتكبدها الحزب في سوريا على الدوام وبشكل متكرّر وآخرها في ريف حلب حيث يتعرض «حزب الله» والنظام السوري و«الحرس الثوري الإيراني» والميليشيات التابعة له من العراق وأفغانستان، إلى أقسى ضربة منذ يومين تحديداً، وذلك ضمن عملية «فك الحصار عن حلب» التي أطلقها الثوّار صباح امس الاول الأحد بعدما كان الحلف «الممانع» قد أطبق حصاره على المدينة.

 نهاية الاسبوع المنصرم، كان يوماً إعلاميّاً بإمتياز لـ«حزب الله» وحلفائه بحيث لم يبق سياسي أو محلّل إستراتيجي أو حتّى إعلامي من الدرجة الثالثة والرابعة، إلّأ وأطل على القنوات التابعة لـ«الممانعة» ليُدلي بدلوه في ما خص معارك «حلب» وليُعلن «إنتصار» الحزب والنظام السوري هناك وإحكام قبضتهما على جميع المعابر والطرق وتكبيدهما الثوّار خسائر فادحة في العديد والعتاد. حتّى ان نصرالله الذي كان أكد خلال خطابه ما قبل الأخير على أهميّة «حلب» لدرجة وصفها بأنها «معركتنا الكبرى»، عاد الإسبوع الماضي ليقول من باب النشوة والشعور بالإنتصار إن «أهمية ما جرى في حلب أخيراً ترتبط باسقاط المشاريع الاقليمية والاحلام الامبراطورية».

 نصرالله وقادة حزبه ومن خلال أحاديثهم عن «الإنتصارات» في سوريا وتحديداً في «حلب»، يُشبه إلى حد كبير كلام وزير الإعلام العراقي في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، محمد سعيد الصحّاف. فالصحّاف الذي كان أطلق وصف «العلوج» على الجنود الاميركيين أثناء غزو بلاده، كان يُبشّر شعبه بالنصر ليلاً وبـ«تكتيكات» عسكرية لا سابق ولا مثيل لها، لكن سرعان ما كانت تتحوّل هذه الوعود في الصباح إلى هزائم متتالية وضربات متلاحقة يتلقاها الجيش العراقي. وهذا الأمر ينطبق تماماً اليوم على قادة الحزب الذين هم ايضاً تتحوّل وعودهم و«إنتصاراتهم» إلى هزائم خصوصاً بالنسبة إلى من تسنى له مُشاهدة شريط مصوّر يظهر فيه عناصر الحزب والنظام وهم يفروّن من أمام الثوّار ودباباتهم.

 من المؤكد أن «حزب الله» بدأ يشعر بعمق وخطورة المستنقع الذي أغرق نفسه فيه منذ قرر أن يكون طرفاً في الصراع السوري في العام 2001. واليوم يتنامى هذا الشعور في ظل عجزه وعجز حلفائه، عن تحقيق أي إنتصار من شأنه أن يُبرّر الأسباب التي أدت أو دفعته إلى هذا التدخل والتي على أساسها ما زال حتّى اليوم يُحاول أن يُقنع جمهوره بأهمية هذه الحرب ودفعه اليها تحت مُسميات عديدة منها: «الواجب الجهادي» و«التكليف الشرعي» الذي كلّفه حتّى اليوم أكثر من الفي قتيل ومثلهم من الجرحى.

الممرات الثلاثة الآمنة التي تحدث عنها حلف «الممانعة» في حلب والتي قال إنها خُصّصت لخروج المدنيين والعسكريين في حال أرادوا ذلك شرط تسليم أسلحتهم للنظام السوري، تحوّلت إلى مسارح للإشتباكات بين الثوّار من جهة، والنظام وحلفائه من جهة اخرى وذلك بعد إقتحامها وإحكام سيطرتهم النارية على طول خط إمدادها، وبذلك تكون المعارضة قد فكّت طوق الحصار عنها وقلبت المقاييس رأساً على عقب وغيّرت بالتالي قواعد اللعبة لدرجة أصبحت هي من يتحكم بـ«الممرات الآمنة» وربما وجب عليها لاحقاً تأمين خروج عناصر النظام و«حزب الله» وبقيّة الميليشيات عبرها وتحت مراقبة دولية.

 بعد ما جرى ويجري في ريف «حلب» اليوم، ربما أصبح لزاماً على «حزب الله» التفكير مُجدّداً بالإنسحاب من هناك واليوم قبل الغد، مع العلم أن معلومات كهذه كانت أُشيعت منذ أسابيع وتحديداً منذ جرى الحديث عن خلافات بينه وبين مجموعات من النظام السوري بالإضافة إلى الإختلاف في وجهات النظر وفي طريقة سير المعارك فيها بين الإيراني والروسي. لأنه من المؤكد أن ما يجري في ريف حلب الجنوبي، هو صورة مُصغّرة عما يُمكن أن تكون عليه الأوضاع في سوريا ككل في المستقبل خصوصاً وأن إعلان «الإنتصارات» من قبل «الممانعة»، أصبح «لعبة» إعلامية مكشوفة الهدف منها طمأنة الجمهور وتهدئته في ظل «غيمة» النعوش التي تأبى أن تُفارقهم أو ان تُفارق أجواءهم ومنازلهم.

 في ظل التأكيد بأن لا سيطرة ميدانية فعلية لأي فريق في سوريا حتى الساعة خصوصاً وأن المعطيات على الأرض هي في حالة تبدّل دائم بين هذه الجهة وتلك، برزت قوّة جديدة على الساحة «الحلبيّة» أمس، تمثّلت بمجموعات من الأطفال أُطلق عليهم لقب «مجموعة الدفاع الجوي». فقد حقّق هؤلاء الأطفال أسطورة سيذكرها التاريخ بعدما قاموا بإحراق الإطارات في كافة ريف «حلب» بهدف حجب الرؤية عن طائرات «الميغ» و«السوخوي»، فكان لهؤلاء الصغار ما أرادوا وكان النصر حليفهم ولو بشكل جزئي. فبعدما كانوا يقفون عند باب أوّل الممرّات تحضيراً للخروج من بلدتهم تحت تهديد السلاح والقتل، أصبحوا هم الذين يتحكّمون بها ويفرضون شروطهم على الداخل والخارج منها.

 في خلاصة الحرب التي يخوضها «حزب الله» في سوريا، ثمة رأي يقول إن الحزب سوف يبحث عاجلاً ام آجلاً عن مُبرّر أمام جمهوره، لإنزلاقه في هذه الحرب يجعله يتصالح معه. لكن رأياً آخر يقول بأن هذا الجمهور سوف يُحاسب قادة «حزب الله» عن كل نقطة دم سقطت من أجساد أبنائه في سوريا.