مهند الحاج علي: قابيل وهابيل ميشال عون

1254

قابيل وهابيل ميشال عون
مهند الحاج علي/المدن/ الإثنين01/08/2016

لم يجد القيادي في التيار الوطني الحر زياد عبس كلمات يُعلق فيها على قرار فصله واثنين آخرين من الحزب سوى التوجه إلى الأب المؤسس ”العماد عون وأقول له الزعل على قد المحبة، وكل ما نفعله تعلمناه منه“. حتى عندما يتمرد عبس على صهر الجنرال عون، فإن سلوكه نابع من تعاليم استقاها من أقوال الجنرال وسُنّته. لذا عندما سألته مذيعة قناة الجديد عن نشاطه بعد الفصل، أجاب ”انتقلنا اليوم من رتبة ناشط في التيار، إلى رتبة عوني“. هو يعترض على الهيمنة داخل المؤسسة، إلا أن اعتراضه عليها أعاده إلى شكله الأول، ”عونياً“، ملتصقاً بشخص ميشال عون، ومُنزهاً عن صهره ”المؤسساتي“. تطهّر زياد عبس من رجس المؤسسة، أي الأم، وعاد إلى الأب ميشال عون.
لكن هل يحق لمن يُكرس نشاطه السياسي والحزبي لزعامة شخص، لا مبادئه، الاعتراض على التوريث؟ وتنزّه عون عن المبادئ جلي في السياسة اللبنانية. تاريخه السياسي لم يترك للمبادئ مكاناً، إذ انتقل خلال أقل من ٣٠ عاماً من الخصومة الدموية مع النظام السوري والقوات اللبنانية وحزب الله، إلى تحالف شامل معهم جميعاً. كان عون نهاية ثمانينات القرن الماضي مع تكسير رأس الرئيس السوري، ويُشيطن نظامه في خطابات ومقالات ولقاءات حتى منتصف العقد الماضي.
بعيد وفاة حافظ الأسد، كتب ميشال عون أن النظام السوري ”فشل في خلق وحدة وطنية، وجنح بنزعته التسلطية نحو السيطرة الفئوية على الحكم وتغطيتها بأفكار قومية لا تعدو كونها أكثر من شعارات“. بعد سنوات، لم يعد الأسد فئوياً بالنسبة لعون، بل بات صمام أمان ”الثقافة المشرقية“ بأسرها. في حرب الإلغاء، خاض الجنرال حرباً دموية لحصر السلاح بيد الدولة. اليوم، يقف الجنرال على طرف نقيض، رافضاً لاحتكار الدولة السلاح.
رغم تقلب المواقف والمبادئ والتحولات، بقي عبس ورفاقه عونيين. هو جنرال. أرادوه عسكرياً لا يُشاورهم الرأي. لكن بعضهم أراد بوضوح صهراً آخر لم يُعطهم إياه.
لكن فاتهم ربما أن عون ليس اعتباطياً في خياره هذا. هو يُدرك بأن صهره الثاني شامل روكز يملك شعبية أكبر في الشارع المسيحي، وبخاصة في التيار. إلا أنه اختار باسيل عن دراية وسابق تصور وتصميم. يملك هذا الصهر صفات يريدها عون، تبدأ بولائه له وتنتهي بغياب الكاريزما والحضور والتاريخ، إذ أن جبران رجل أعمال لا سجل ناجحاً له قبل مصاهرة الجنرال. بهذه ”المؤهلات“، سيقود جبران باسيل ”العونيين“. لن يكونوا يوماً ”باسيليين“. ووجوده الضعيف سيُبقي عون في وهجه حتى آخر يوم من حياته.
مقابل ذلك، يحمل روكز إلى السياسة سجلاً عسكرياً يتفوق فيه على عون. أولاً، قاتل في حرب التحرير ضد القوات السورية، ولم يفر إلى الخارج كما فعل الجنرال، بل دخل السحن وتعرض للتعذيب. يُظهر مرونة سياسية لم يبدها عون يوماً، إذ تقرّب إلى خصومه في انتخابات جونية تمهيداً لتحالف مُرجح في كسروان. ويصقل علاقات سياسية له خارج إطار التيار، ومع خصومه، تجنباً  للوقوع تحت جناح جبران باسيل. لكنه سيبقى على الأرجح نائباً فحسب، وربما لفترة وجيزة فقط، نتيجة غياب القدرة المالية والغطاء الحزبي.
لكن هذا لا يعني أن جبران سيوالي صعوده مسيحياً، فهو يخوض منذ تسلمه حزب عمّه بالوراثة معارك لتكريس زعامة ركيكة لا مستقبل لها، إما عبر خطاب شعبوي مناوئ للاجئين السوريين والفلسطينيين، أو من خلال تطهير وتطويع منافسين له كما حصل مع طرد ٤ قياديين أساسيين بينهم عبس وابن شقيق عون.
الأرجح أن الزعامة العونية ستنتهي بصهرين في البرلمان أو الحكومة، موقتاً، فقط لأن مؤسسها، مثله في ذلك مثل بقية أقطاب السلطة اللبنانية، لم يضع نُصب عينيه سوى مصلحة وحيدة: نفسه، وحده لا شريك له