الـيـاس الزغـبـي: نداء الدماء/علي الحسيني: الضاحية الجنوبية من يرفع الصوت والموت/ثريا شاهين: واشنطن لا ترى الوقت مناسباً للتباحث في الملف الرئاسي

286

نداء الدماء
الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن/15 تشرين الثاني/15
تتساقط تصريحات الاستنكار كسابقاتها مع أوراق الخريف، وتبرد المواقف. وحدها الدماء تبقى حارّة في وجَع الناس وهلَع الوطن. لا يمكن أن تنتهي مذبحة برج البراجنة كما انتهت سابقاتها، إلى مزيد من الولوغ في الدماء، في دورة الموت التي لا تنتهي. فالحدّ الأدنى من الوعي والمنطق يفرض الابتعاد قليلاً عن ساحة الموت، والتفكير بهدوء في ما كان وصار، ومراجعة ما على لبنان وما لَه. وليست الدعوة إلى الهدوء والمراجعة نوعاً من التوظيف في المأساة وتحريك السكّين في الجرح، بل هي نداءٌ عاقل للتبصّر وإجراء جردة حساب بسيط للأسباب والوسائل والنتائج. لا يمكن البناء على تصريحات عاطفيّة متسرّعة صدرت عن بعض السياسيّين المزايدين والمحدوديّ الأفق، الذين حرّضوا على مزيد من التورّط في سوريّا تحت شعار محاربة الإرهاب في عقر داره. وكان الأسوأ في تعليقاتهم على المقتلة أنّها نتيجة يأس المهزومين في سوريا وانتصار النظام، وتساؤلهم عن عدد التفجيرات اللازمة كي يقتنع “البعض” بوجوب التصدّي للإرهاب خارج الحدود اللبنانيّة، ما يعني تشجيعهم “حزب الله” على انغماسه ودعوة الآخرين للحاق به إلى هنالك. من السهل تحريض “حزب الله” على المزيد، بينما المحرّضون متفرّجون، أو غارقون في لعبة النفوذ والسلطة والمال. وكلام العقل أصعب وأثقل على المحترق بالنار، وهو يفضّل الحكّ على حروقه وجروحه، ولا يتقبّل بسهولة نصيحة هنا أو إشارة هناك. وحقيقة المصيبة أنّ الجروح والحروق لا تُصيب “حزب الله” وحده، بل لبنان بأسره. ومهما تمّ عزل الضاحية فهي في صلب النسيج اللبناني، بمجتمعه وأمنه واقتصاده وسياسته ودورة حياته. وما يُصيبها يُصيب كلّ الجسم اللبناني.
هذا ليس من باب التعاطف مع الضحايا فقط، بل من باب المصلحة اللبنانيّة العامّة التي تفرض سلامة المكوّنات وتكاملها وتفاعلها في الجسم اللبناني. فالضاحية، مهما انعزلت أو عُزلت، عضوٌ حيّ في هذا الجسم. لذلك، لقد آن عمل العقول الباردة، ووقف العواطف المزايدة. وقد جاءت إشارة قويّة إلى هذا التوجّه من السيّد حسن نصرالله نفسه قبل يوم واحد من تفجيرات البرج. فللمرّة الأولى يتخلّى قائد “حزب الله” عن لغة الحرب والردع، ويبتعد عن منطق الغلبة بالسلاح، وعن وصف 7 أيّار بـ”اليوم المجيد”. بل ذهب إلى حدّ القول باستحالة تكراره لانشغال الإقليم والعالم عنّا بشؤون وشجون أكبر وأخطر، ودعا إلى تسوية سياسيّة شاملة.
وليس من المنطق أن تؤدّي مجزرة الضاحية إلى التراجع عن هذا التوجّه التسووي، بل إلى تقويته وتثبيت الإيمان به والبحث في خطواته العمليّة، وأوّلها تسوية في ملفّ انتخاب رئيس الجمهوريّة. كما أنّ انخراط “حزب الله” في الحرب السوريّة مرشّح لإعادة النظر، ليس بقرار ذاتي منه، بل نتيجة انخراط إيران في تسوية فيينا، وتصدّر روسيّا واجهة القرار في سوريا. وأيّ تقويم سياسي هادئ لنتائج 4 سنوات من الإنزلاق في الوحول السوريّة، يتوصّل إلى استنتاج حالة التعقّل المنتظرة، بعد إمعان النظر في كلّ المعارك من القلمون والزبداني والجولان إلى حمص وحماه واللاذقيّة وإدلب وحلب، بإخفاقاتها وخسائرها وأثمانها، واستحالة الانتصار فيها، ونفقها الأسود الطويل. وبدلاً من السؤال عن عدد التفجيرات التي يجب أن تحصل كي نتصدّى للإرهاب، علينا أن نسأل: كم من الضحايا والقرابين يجب أن نقدّم بعد إلى إله الحرب العبثيّة و”المقاومة” التي تأكل أبناءها، وتأكل معهم مصير لبنان؟
في بيتنا دماء كثيرة، وخوفنا أن يبلغ سيلها الزُبى. وهي تناشدنا وقف آلة الموت. والكلمة الآن للعقلاء، كي يستجيبوا نداء الدماء.

الضاحية الجنوبية.. من يرفع الصوت والموت؟
علي الحسيني/المستقبل/15 تشرين الثاني/15
عاد شبح الإنتحاريين أمس الأوّل ليُخيّم على الضاحية الجنوبية مجدداً، ومعه عاد الخوف ليرسم ملامح مرحلة دموية قادرة على تحويل الأمكنة والأزمنة إلى مُجرّد ذكرى بمجرد الضغط على «زرّ» التفجير مُخلّفة ضحايا وأيتاما لن تنعم عيونهم بعد اليوم برؤية من اعتادوا العيش معهم ولن تُشفى قلوبهم من الحنين إلى لحظة دفء عائلاتهم على غرار الطفل المصاب حيدر حسين مصطفى الذي ينتظر في المستشفى عودة والديه ظنًّا منه أن زحمة السير الخانقة هي التي ما زالت تعوق وصولهما اليه. على مقربة من «الحسينية» في شارع «عين السكة» في «برج البراجنة» كان الحدث. هناك وصل إنتحاريان وفجّرا نفسيهما وسط زحمة السير ليُعيدا إلى الأذهان مجدداً، مرحلة من جنون التفجير الهستيري تناثرت فيها الاشلاء على الطرق وشرفات الأبنية كما تتناثر قطع الزجاج مع فارق أن الأخير يُحدث صوتاً لحظة تناثره بينما هؤلاء الابرياء يرحلون بصمت من دون أن يُحدثوا ضجيجاً كي لا يُزعجوا من لا يريد الاعتراف بهم كأهل للمنطقة لا متاريس يتحصنون خلفها. أمس ثقلت هموم وخطوات أهالي برج البراجنة بعد ليلة دامية أمضوها على الطرق أو متنقلين بين المستشفيات. بحثوا طوال ليلتهم بين الوجوه عمن ينصفهم من الموت الموعود ويزيح عنهم شبح رعب يأبى أن يفارقهم في أيام تحولت كواليسها الى جنون امتزجت عوارضه بالفوضى والخوف. أطفال سألوا عن ذويهم وأقارب لهم، لكنهم لم يجدوا إجابات تُشفي قلقهم على عمر لم يعد يحمل لهم سوى روائح البارود ولون النار. وفي الضاحية كانت عيون الأهالي تراقب حركة الليل قبل أن توصله بنهار مقبل سيحمل هواجس متجددة توصل إلى رصد حركة كل عابر صوبهم وسط خشية من أن يكون هذا العابر إنتحارياً ويحولهم في غفلة من العمر إلى مجرد ذكرى كأسلافهم. لم يتنصل أهل برج البراجنة، وتحديدا سكان عين السكة، لا قبل التفجيرين ولا بعدهما من «المقاومة»، ولم يتوقفوا عن الدعوات لاجتثاث الإرهاب من جذوره، لكن مع هذا فقد سبق أن طالبوا بتنظيم الأمن في منطقتهم سواء كان «ذاتيّاً» ام شرعيّاً وخرجوا من أجل تحقيق هذا المطلب بتظاهرات ورفعوا الصوت عالياً ليُرفع عنهم الظلم الإقتصادي والمعيشي والإجتماعي الذي كانت وما زالت تفرضه عليهم ممارسات قوى «الأمر الواقع»، وهم اليوم يدفعون ثمن ثباتهم على مواقفهم، لكن في المقابل هناك من جعلهم يدفعون فاتورة وطنيتهم هذه مرتين، ويكونون ضحية الحرب والسلم.
تفجيرا الضاحية الأخيران، زادا معظم سكانها إيماناً أن لا خلاص لهم إلا بوحدتهم كلبنانيين رغم بعض الأبواق التي خرجت لحظتها لتحوّل المعركة الى مذهبية داخلية، وأيقنوا أن مؤسسات الدولة وعلى رأسها الأمنية، وحدها قادرة على حمايتهم وعلى ابعاد شبح التفجيرات عنهم تماما كما تفعل عند النقاط الحدودية. وتختلط هذه التأكيدات المجبولة بوجع الأمنيات مع كلام الطفل حيدر القابع في المستشفى لتلقي العلاج بعد اصابته في عينه اليُمنى «كنت مع بابا وماما وطلع فينا انفجار، احترقنا وطلع منا الدم». يومان مرّا على تفجيري الضاحية. أعداد الجرحى تتقلص ويقابلها ارتفاع في أعداد الشهداء، يومان وأصحاب إرادة الحياة يرفضون الخضوع لقرارات الموت على الطرق والذي بدأت تدخل هواجسه إلى نفوس الكثيرين، فمن بين الخراب وحجم الدمار الهائل ورائحة الدماء، مرّ مُعمّر من أبناء «عين السكّة» بالقرب من مكان التفجيرين، إتكأ على عصاه ثم نظر امامه ليبحث في الوجوه عن زمن لا يُشبه زمانه ولا حاضره، تلفظ ببضع كلمات قبل أن يومئ بيده نحو ما تبقى من احد المتاريس المصنوعة من أكياس الرمل، تبسّم ثم مشى في حال سبيله وهو يقول «ما في شي عم يمنع الموت».

 

واشنطن لا ترى الوقت مناسباً للتباحث في الملف الرئاسي
ثريا شاهين/المستقبل/15 تشرين الثاني/15
يكتسب تعيين الإدارة الأميركية السفير ريتشارد جونز قائماً بالأعمال للسفارة الأميركية في بيروت اهمية خاصة، ولو أنّ الأمر يأتي طبيعياً بعد انتقال السفير دايفيد هيل إلى باكستان، وانتظار تعيين سفير جديد خلفاً له. الأهمية الخاصة لذلك، وفقاً لمصادر ديبلوماسية في واشنطن، أنّه بعدما غادر السفير هيل مركزه في بيروت بصورة مبكرة، وقبل نحو سنة من الموعد الذي كان مفترضاً لمغادرته، وتعيينه سفيراً في باكستان، فإنّ الإدارة لا ترغب في إرسال رسالة خاطئة إلى لبنان، بتركه دون تعيين سفير، مع ما يعني الأمر من تراجع في مستوى الاهتمام، وبالتالي قصدت الإدارة بتعيين جونز للمرحلة الانتقالية، إرسال رسالة واضحة بأنّ الولايات المتحدة لم تترك لبنان، ولم تتراجع عن الاهتمام بقضاياه، وأنّه لدى الإدارة مسار ونظام محدّد من أجل أن يتم تعيين سفير جديد وأن يتسلّم هذا السفير منصبه. وكل ذلك يأخذ وقتاً، فضلاً عن التجاذبات بين الجمهوريين والديموقراطيين. لذا تم تعيين جونز وأتت به الإدارة من التقاعد وهو يتميّز بصفات عالية من الديبلوماسية والخبرة في ملفات الشرق الأوسط، وتم تعيينه كقائم بالأعمال، وهو معروف من لبنان، وقد عمل سفيراً في بيروت بين عامَي 1996 و1998، وكذلك عمل سفيرا لدى كل من الكويت وإسرائيل. وجونز سيتمتّع بأداء يعكس سياسة إدارته ككل سفير، وسيتبع تعليماتها حرفياً. كذلك انه ككل سفير لديه ظروفه السياسية من وجهة النظر الأميركية. وخلال مدة عمله في بيروت التي قد تمتد إلى مطلع الصيف المقبل، سيؤكد سياسة بلاده تجاه لبنان، وأبرز ما تشدّد عليه، الدعم الدائم والمستمر للبنان ولسيادته ووحدة أراضيه، كذلك دعم الإدارة الأميركية للاستقرار اللبناني ولتحييد لبنان عن الأزمات المحيطة به، فضلاً عن دعم الجيش، والنظام المصرفي، ومساعدة لبنان في عملية إيوائه اللاجئين السوريين. وقد بلغت قيمة الدعم الأميركي للجيش اللبناني في السنوات العشر الأخيرة ملياراً و200 مليون دولار وهي كناية عن تجهيزات وأسلحة وتدريب وذخيرة دقيقة وذكية وتعاون مخابراتي، وستقدم واشنطن للجيش بعد نحو سنة طائرات من نوع «سوبر سوكامو». وأوضحت المصادر انّ الولايات المتحدة تحضّ اللبنانيين دائماً على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في اسرع وقت. لكنها لم تقم بجهد استثنائي للضغط في اتجاه انتخاب رئيس، لأنّ المسألة لبنانية داخلية أولاً، ثم انها مدركة ان الوضع اللبناني لا يسمح بانتخاب رئيس، كما أنّها مدركة أيضاً أنها ليست وحدها على الساحة وهناك أطراف اخرى مؤثرة. وبالتالي، ليس الوقت الآن مناسباً بالنسبة إلى واشنطن لكي تتباحث مع بقية الأطراف المؤثرة في انتخاب رئيس للجمهورية.
على أنّ الولايات المتحدة تعتبر أنّه من الآن وحتى إنضاج الظروف المؤاتية لانتخاب رئيس، يجب على لبنان أن يحافظ على استقراره، وعلى انتظام عمل المؤسسات وتحديداً البرلمان ومجلس الوزراء، وتفعيل ذلك. وهناك دعم أميركي لرئيس مجلس الوزراء تمام سلام. وقد كانت الولايات المتحدة على علم بالمبادرات الفرنسية لانتخاب رئيس وهي كانت داعمة لفرنسا وللاتحاد الأوروبي في مساعيه مع إيران لتسهيل انتخاب الرئيس. لكن أي تجاوب إيراني لم يحصل لانّ إيران تربط الملف اللبناني بأية مكتسبات ترى أنها يجب الحصول عليها في الملف السوري.
وأهمية دعم عمل المؤسسات، من أجل أن لا تنفرط، بحيث أنّ أي انفراط يؤدي إلى التأثير سلباً في مسار الاستقرار القائم. كما أنّ بين الولايات المتحدة ولبنان تعاوناً في مكافحة الإرهاب، وهذا كان محور الزيارة التي قامت بها لبيروت الأسبوع الفائت نائبة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الحدّ من التسلّح والأمن الدولي روز غوتيمولر. وتدرك واشنطن انّ لبنان وفي اطار محاربة الإرهاب معني بمحاربته لا سيما المتأتي من «داعش» والذي ضرب لبنان قبل أيام، ثم ضرب فرنسا قبل يومين، ولبنان على تواصل مع دول تحاربه، مع الإشارة إلى أنّ امكانات الدول الكبرى ليست متوافرة لدى لبنان الذي يتعرّض لخطر الإرهاب في الداخل وعلى الحدود. في كل الأحوال لدى لبنان جهوزية لمكافحة الإرهاب ولديه رؤية واسعة وخطط كاملة، والجيش حريص كل الحرص في كل هذه العملية، على السلم الأهلي والعيش المشترك، والزيارات الأميركية الرسمية ستستمر لدى كل أمر يتوجب ذلك.