عبدو شامي/الخطأ الكبير الذي ارتكبه الأسير وأدى الى توقيفه

7276

الخطأ الكبير الذي ارتكبه الأسير وأدى الى توقيفه
عبدو شامي

15آب 2015، وبعد عامين على معركة عبرا، جهاز الأمن العام ينجح في توقيف الشيخ أحمد الأسير في المطار أثناء محاولته مغادرة البلاد متنكَّرًا وبأوراق مزورة.

حدَثٌ من الأهمية بمكان نجح في خرق ستاتيكو أزمة النفايات التي لا يزال لبنان غارقًا في مكبّها ونتانة روائحها السياسية، كما خرق أجواء نوبات الهستيريا العونية التي كشفت عن ثقافة حقد طائفي دفين وكراهية متغلغلة في نفوس مريضة تُرجِمَت برفع يافطات تصف التيار العلماني-اللاديني (وإن ادعى تمثيل السنّة) تيار المستقبل بـ”الدولة الإسلامية-إمارة لبنان” في إشارة الى “داعش” وفي استخدام وَقِح لأدبياتها المزوّرة وهو إقرار عوني بأن التنظيم الإرهابي يمثل الإسلام ودولته!!، وكفى بذلك إساءة الى الإسلام والمسلمين؛ والسؤال: إذا كان التيار الأزرق داعشيًا على انحلاله بالمفهوم السياسي (وحتى الديني مقارنة بتعاليم الإسلام المعتدل)، فبماذا يصنف العونيّون دار الفتوى أو حتى الجماعات والجمعيات الدينية السنيّة؟! الإجابة (ما لم يعتذر العونيون عن جريمتهم) تقودنا الى أحد أهم القواسم المشتركة في التحالف البرتقالي مع الأسد وإيران وحزبها الإرهابي في لبنان، ألا وهو الحقد على السنّة (علمانيين ومتدينين) بعدما تأكّد أننا في صميم حرب سنية-شيعية تديرها ولاية الفقيه.

بالعودة الى حدَث الساعة، فقد استدعى ليس فقط تهنئة مختلف الأحزاب السياسية لجهاز الأمن العام إنما تنويهًا عجيبًا من رئيسَي الأركان والموساد الإسرائيليَين اللذَين رفعا التحية للأمن العام على انجازه بتوقيف الأسير معتبرين أن الجهاز اللبناني تفوّق على جهاز الموساد في هذه العملية، وهي تحية تُرفَع للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل على الإطلاق وليس بشأن لبنان فقط. أكثر التعليقات صراحة وواقعية كانت من نصيب حكيم ثورة الأرز (المغتالة حريريًا)، فقد سأل الدكتور سمير جعجع بعد أن “هنّأ الأجهزة بالانجاز الأمني الكبير”: “كيف تمكنت هذه الأجهزة من اعتقال الأسير رغم تنكُّره الكامل بينما لم تتمكن من اعتقال قتلة هاشم السلمان وصبحي ونديم الفخري رغم أنهم معروفون تمامًا ولم يتنكروا يومًا؟”. الجواب على سؤال الحكيم أتى من اللواء عباس ابراهيم حيث دعا المنتقدين “الى العودة الى وطنيتهم بعيداً من الحساسيات. فهذا موضوع وطني بامتياز له علاقة بالشهداء، ودم اللبنانيين لا يذهب هدرًا، وأي قاتل لم يتم توقيفه اليوم بالطبع سيتم توقيفه غداً”.

بين واقعية الحكيم وشاعرية اللواء ابراهيم المتنكِّرة للواقع، الحق واضح والحقيقة ناصعة البياض وإن عكست الواقع الأسود، الخطأ الاستراتيجي الجسيم الذي وقع به الأسير وأدى الى توقيفه ليس اختياره الفرار عبر المطار الدولي ولا الأوراق المزورة إنما عدم انتسابه الى الحزب الإرهابي أو الى أي ذراع من أذرعه المسلحة مما يسمى “سرايا مقاومة” أو سواها من الأحزاب السياسية الحليفة المنضوية في خط مقاومة قيام الدولة اللبنانية وإلحقاقها بالامبراطورية الفارسية المتفتتة وإبقائها تحت نير الاحتلال الإيراني الغاشم والغطرسة الولاية فقيهية المدعومة أميركيًا.

ببساطة متناهية، لو قدّم الأسير أوراق انتسابه الى خط ولاية الفقيه لاستطاع الافلات من وجه العدالة التي لن تعثر عليه ولو بـ300 سنة من البحث والتحري ولرُفِع الى مراتب القديسين وأشرف الناس رغم قتله رفيق الحريري وخيرة قادة لبنان وإن كان  معروفًا بالشكل والاسم والعنوان. لاستطاع أيضا اجتياح بيروت والجبل وقتل عساكر الجيش في معركة “كمين عبرا الإيراني” وسواها دون ملاحقة، مع التذكير بأن نائب الحزب الإرهابي نواف الموسوي منع ممثلي قيادة الجيش من الاجابة خلال جلسة المساءلة النيابية على أسئلة نواب المستقبل المحرجين أمام بيئتهم من الصور والأفلام التي أظهرت الحزب الإرهابي يقاتل جنبًا الى جنب مع الجيش اللبناني في عبرا، ثم مَنع الجيش من المشاركة في الجلسة اللاحقة. الأسير “مقاوِمًا” كان استطاع إسقاط طوافة عسكرية مع إعدام طيارها ميدانيًا بمحاكمة رمزية وإخلاء سبيل.

الأسير بانتسابه الى ميليشيات إيران كان استطاع خطف “جوزيف صادر” على طريق المطار دون حسيب أو رقيب، ولتمكّن من التخابر مع إسرائيل بلا محاسبة أو بحكم تكريمي تشجيعي عسكري خجول، لاستطاع التآمر مع الأسد والمملوك على تفجير بطريرك الموارنة ومفتيي السنّة في عكار بحكم عسكري يهدر دماء السنّة والمسيحيين وما كان ليُكشف لولا انجاز فرع المعلومات. الأسير إيرانيًا لتمكّن من محاولة قنص الحكيم في معراب وإرسال الطائرات الاستطلاعية لمراقبته دون توقيف مجرم أو اسقاط طائرة. الأسير إيرانيًا كان تمكّن من محاولة تفجير المصعد بالوزير بطرس حرب منتحلا صفة مخابرات الجيش دون ملاحقة ولا توقيف. الأسير إيرانيًا لم يكن ليُمسّ رغم معرفته بالاسم والعنوان عند اغتيال الناشط هاشم السلمان على باب السفارة الإيرانية. والأسير إيرانيًا كان تمكن من ارتكاب أشنع الجرائم والسرقات والتواري في مناطق نفوذ حزبه واستكمال إرهابه بأمن وأمان واطمئنان.