عبدو شامي/صفقة الشيطانَين.. جدوى اقتصادية ممتازة وفرنسا شريك مضارب

369

صفقة الشيطانَين.. جدوى اقتصادية ممتازة وفرنسا شريك مضارب
عبدو شامي

21/5/2015

خلال مفاوضات اتفاق-الإطار النووي بين الشيطانَين الأكبر والأخطر (أميركا وإيران) في 2/4/2015، برز الدور المتشدّد حيال إيران المُشكَّك في صدقيّتها والتزامها وهو التكتيك الذي سارت عليه فرنسا الساعية الى كسب ثقة الخليج، مقابل دور متساهل قادته أميركا المطمئنّة في تكتيكها الى وهْمٍ رسّخته هي لدى الخليجيين بأن لا قدرة لهم على مواجهة الفزاعة الإيرانية إلا من خلالها. استراتيجية واحدة لكن بتكتيكَين مختلفَين أثبتا نجاحهما في تحفيز البقرة الحلوب الخليجية على درِّ المزيد من حليبها الكامل الدسم عبر آلة الشفط الصهيو-أميركية الصنع إيران، ولم يحتج الاتفاق أكثر من 40يومًا ليثبت جدوى اقتصادية ممتازة لجميع أطرافه بشهادة الأرقام الآتية.

إيرانيًا، منذ الأسبوع الأول للاتفاق المبدئي وقبل الإفراج عن أكثر من 150 مليار$ من الودائع والممتلكات الإيرانية في الغرب بموجب الاتفاق النهائي المزمع توقيعه في 30حزيران، بدأت الاستثمارات الأجنبية تدق باب طهران؛ الرئيس التركي أردوغان كان أول قارعي الجرس حاملاً معه سلّة عقود واتفاقات ترفع التبادل الاقتصادي بين البلدين الى 30 مليار$ نهاية عام 2015. بدورها الصين بدأت محادثات لشراء مزيد من النفط الإيراني كما لتلزيم شركاتها مشروع تمديد أنابيب الغاز الإيراني الى باكستان. أما روسيا، فأعلنت عن المباشرة في تسليم طهران صواريخ أرض-جو (أس-300)، بناء على صفقة تعود لعام2007 حالت العقوبات دون تسليمها. ولا شك أن عدد الشركات الإسرائيلية المستثمرة حاليًا في إيران سيتضاعف وكذلك الشركات الأوروبية المتطلعة الى دخول السوق الإيراني الواسع.

سياسيًا، خطاب إيران بعد الاتفاق زاد عدوانية واستكبارًا، ما يشير الى الطابع الجيو-سياسي الحقيقي للاتفاق؛ ففي 18أيار أعلن “ظريف” إيران شرطيَّ المنطقة بقوله: ان “مناورات الجيش والحرس الثوري تجلب الهدوء والسلام والأمن لشعوب المنطقة”. قائد الحرس الثوري اللواء محمد علي جعفري كشف في 8/5/2015 أن تدخلات إيران في اليمن وسوريا هي لـ”توسيع خارطة الهلال الشيعي في المنطقة والذي يجمع ويوحد المسلمين في إيران وسوريا واليمن والعراق ولبنان”.أما رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية علاء الدين بوروجردي فنعت الملك السعودي في 14/5/2015 بـ”خائن الحرمَين الشريفَين والأمة الإسلامية”.واستكمالاً لخلع تشادور التقية الذي لبسته طوال 35عامًا، تحولّت طهران في أيار2015 معرضًا عملاقًا للوحات الفنية العالمية التي حلّت مكان لوحات “الموت لأمريكا والموت لإسرائيل”.

فرنسيًا، بدأ وزير الدفاع “لودريان” حملة تسويق للسلاح الفرنسي في الخليج؛ زار أولاً الإمارات للتباحث في رغبتها بشراء مقاتلات رافال الفرنسية؛ ثمّ عرّج على قطر حيث وقّع صفقة ضخمة بقيمة 6,3 مليار$ تتضمن شراء 24 مقاتلة رافال مع مستلزماتها من صورايخ وتدريبات. وقد حلّ الرئيس الفرنسي “هولاند” -في سابقة- ضيف شرف على قمة مجلس التعاون الخليجي في 4/5/2015 حاصدًا أهم ثمار تكتيك فرنسا بالتشدُّد الشكلي حيال إيران أثناء مفاوضات الاتفاق النووي.

أميركيًا، ستُنقذ الكويت مصنع طائرات “أف18- سوبر هورنيت” التابع لشركة بوينغ الأميركية من تعليق انتاجه المقرّر بحلول 2017، فقد أُعلِن في 7/5/2015 عن عزمها طلب 28 مقاتلة من ذلك الطراز بقيمة 3 مليارات$، ما سيسمح للمصنع بمواصلة انتاج هذه الطائرات دون توقف. وزير الخارجية “كيري” مهّد لنتائج اجتماع أوباما بالقادة الخليجيين في “كمب دايفد” بالقول: “نعمل على بلورة سلسلة من الالتزامات الجديدة مع مجلس التعاون، هذا سيأخذنا الى أبعد بكثير مما ذهبنا إليه من قبل”. وبالفعل جاء في بيان مشترك بعد القمة في 14أيار: “ان دول المجلس ملتزمة تطوير قدرة دفاع صاروخية باليستية بما في ذلك نظام إنذار مبكر بمساعدة فنية أميركية. وتتعهد واشنطن سرعة إمداد دول المجلس بالأسلحة وإرسال فريق إلى المنطقة خلال الأسابيع المقبلة لمناقشة التفاصيل”.وستتنافس على تنفيذ هذه المنظومة كبرى الشركات الأميركية، كما سيجني “البنتاغون” كلفة تعزيز الالتزامات الأمنية بما تتضمنه من سلاح وتدريبات، علمًا أن موازنة السعودية الدفاعية عام 2014 فاقت موازنة إيران ست مرات لتبلغ 80 مليار$ معظمها أُنفق على السلاح الأميركي.

بيع السلاح هو المُخدِّر الذي تحقن به أميركا دول الخليج لطمأنتهم من تعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة وإيهامهم أنها تقف الى جانبهم، علمًا أنها السبب الرئيس لصنع هذا النفوذ وتعاظمه؛ وما رفضُها توقيع اتفاق مكتوب في اجتماع “كمب دايفد” يلزمها الدفاع عن دول الخليج حال تعرّضها لهجوم إيراني، وما تشديدها المكتوب في بيان الاجتماع نفسه على عدم قيامهم بعمل عسكري إلا بعد مشاورتها (تأنيبًا لهم على ضرب إيران في اليمن)، إلا ضمانًا لاستمرار مخاوفهم من فزّاعتها وبالتالي بذلهم المزيد من الأموال على شراء حُقَن المخدرات والمهدّءات المصنّعة في أميركا.