نوفل ضو:عون والميثاقية و”حرب التحرير” الجديدة

205

عون والميثاقية و”حرب التحرير” الجديدة
نوفل ضو/24 أيلول/16

في العام 1989، وبعد مفاوضات مباشرة وغير مباشرة مع نظام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، تأكد للعماد ميشال عون الذي كان يرئس حكومة عسكرية انتقالية نتيجة لعدم انتخاب رئيس للجمهورية، بأن دمشق لن تقبل به رئيسا للجمهورية.

يومها انقلبت “رسائل حسن النية” السياسية والإعلامية والميدانية التي وجهها عون الى سوريا كجزء من تقديم “أوراق الإعتماد الرئاسية” والتي تمثلت في الإستعداد لمواجهة القوات اللبنانية بالقوة، وعروض التعاون السياسي والاستراتيجي التي نقلها الى سوريا موفدون ووسطاء كثر في مقدمهم النائب والوزير السابق البير منصور والسيد فايز القزي وغيرهما، الى “حرب تحرير” أعلنها عون على “الإحتلال السوري” للبنان ووصايته على القرار السياسي للبنان.

في تلك المرحلة، أطلقت الماكينة الدعائية للعماد عون حملة صورت “الجنرال” على أنه “المنقذ”. فهو يريد “بناء الدولة” من خلال تحرير لبنان من الإحتلال السوري، و”تحرير” شعبه ولا سيما المسيحيين، من نفوذ الميليشيات وتحديدا من نفوذ “القوات اللبنانية. وصورت “الدعاية السياسية” العونية الجنرال على أنه ضحية محلية – إقليمية لرافضي مشروع بناء الدولة واستعادة سيادتها وحرية شعبها وحقوقه في اختيار ممثليه لتولي المسؤوليات في المؤسسات الدستورية على قاعدة انتاج سلطة سياسية تترجم خيارات الشعب في الحياة الكريمة في ظل دولة قوية لا تشاركها قرارها أية قوة أمر واقع محلية أو خارجية.

نجحت الحملة الدعائية للعماد عون في العام 1989 في تصوير “الجنرال” وتقديمه للرأي العام المسيحي خصوصا، ك “خيار شرعي ووحيد” لأصحاب مشروع بناء الدولة بديل عن “خيار الميليشيات” وفي مقدمها القوات اللبنانية التي كانت تعتبر “الاب الشرعي والتاريخي” لمقاومة الإحتلال السوري والمطالبة بالحرية والسيادة والإستقلال للبنان وبمؤسسات دستورية قوية تترجم تطلعات الشعب اللبناني على أرض الواقع.

زايد عون على القوات اللبنانية علنا في رفع شعارات المقاومة والتحرير وحماية المسيحيين وخياراتهم التاريخية وصولا الى سحب البساط الشعبي من تحت أقدام سمير جعجع بما سمح ل”الجنرال” بالإستفراد بالقرار السياسي المسيحي على أمل ترجمة ذلك بتولي رئاسة الجمهورية.

أعلن “حرب التحرير” على سوريا من دون استشارة أحد لا محليا ولا دوليا…

تفرد بالقرار وأحرج الجميع وفي مقدمهم القوات اللبنانية التي لم يعد بإمكانها الوقوف على الحياد في حرب عسكرية كانت مقتنعة بأنها في غير مكانها الصحيح توقيتا وموازين قوى محلية وإقليمية ودولية على أرض الواقع…

زايد العماد عون على القوات اللبنانية في خياراتها التاريخية، و”سرق” شعاراتها ومشروعها، وباتت القوات اللبنانية وكل من يغلب لغة العقل في مقاربة “عبثية” هذه الحرب في تحقيق أهدافها المعلنة – على الرغم من أحقية هذه الأهداف – محرجة أمام الرأي العام المسيحي الذي نقلته “الدعاية السياسية” العونية من الواقع والحقيقة الى حالة من “النوستالجيا” و”النشوة” السياسية المناقضة لموازين القوى المحلية والإقليمية والدولية المؤثرة في الحياة السياسية اللبنانية.

هكذا جر العماد عون القوات اللبنانية في العام 1989 الى الدخول في “حرب التحرير” التي استفرد هو بقرارها توقيتا وإعلانا وإدارة من دون أن يسمح لأحد بإبداء رأي عقلاني في جدواها.

إنتهت “حرب التحرير” التي أعلنها العماد عون باسم تحقيق “السيادة اللبنانية” باتفاق الطائف الذي كرس تطبيقه في ظل موازين القوى المحلية الناجمة عن فشل “حرب التحرير” وموازين الإقليمية التي كانت قائمة، الوصاية السورية على لبنان أرضا وشعبا ومؤسسات…

وعوض أن يتحمل هو مسؤولية النتيجة السياسية لفشل حرب عسكرية تفرد بقرارها وتوقيتها وإدارتها على اللبنانيين عموما والمسيحيين خصوصا، رمى الكرة في ملعب خصومه وحملهم مسؤولية توسيع دائرة الإحتلال السوري للبنان وإضعاف مؤسساته الدستورية ووضع اليد على قراراته السياسية والأمنية والعسكرية والإقتصادية والإدارية وغيرها، وإضعاف الحضور المسيحي في مؤسسات الدولة على المستويات كافة…

اليوم، يعيد التاريخ نفسه… العماد عون ذاته يخوض حرب الوصول الى رئاسة الجمهورية رافعا شعارات سبق أن رفعها قبل نحو من ثلاثين عاما، ومتبعا دعاية سياسية لم تتغير في مخاطبة الرأي العام وفي تغليب “الغريزة” على المنطق والواقع السياسي المحلي والإقليمي والدولي.

نجح “الجنرال” مرة أخرى من خلال “حرب دعائية” في تصوير مشروعه السلطوي الخاص مشروعا وطنيا مسيحيا وألبسه شعار “الميثاقية” وحقوق المسيحيين، وبات معظم القوى السياسية المسيحية وخصوصا القوات اللبنانية أمام واقع يشبه ما كانوا عليه غداة حرب التحرير.

فمواجهة الجنرال بالحقيقة غير مربحة شعبيا في ظل مزاج مسيحي تدغدغه شعارات عون ولو لم يمتلك القدرة على ترجمتها في السياسة. ومجاراته لن توصل المسيحيين إلا الى ما وصلوا اليه بعد فشل حرب التحرير.

إن القوى السياسية والحزبية المسيحية تبدو اليوم أمام مسؤولية تاريخية في التعاطي مع خيارات عون بعيدا عن حسابات الربح والخسارة الآنية المرتبطة بمواقع السلطة النيابية والوزارية والرئاسية. فالقبول بالإنجرار الى معركة تزوير مفهوم الميثاقية من مفهموم سيادي على علاقة باتفاق المسيحيين والمسلمين على عدم ربط لبنان بالمحاور الإقليمية والدولية، الى مفهوم سلطوي على علاقة بطموحات بعض الشخصيات والأحزاب، سيوصل المسيحيين الى نتائج لن تكون في سلبياتها على دورهم وحضورهم السياسي أقل مما أدت اليه “حرب التحرير” والتطبيق المشوه ل “اتفاق الطائف.