ايلي الحاج: السياسة في لبنان بُروجٌ عاجيّة والانتخابات النيابية بروائح كريهة

93

السياسة في لبنان بُروجٌ عاجيّة والانتخابات النيابية بروائح كريهة
ايلي الحاج/النهار/24 أيلول 2016

تتعمّم يوماً بعد يوم موجة إحباط لا مثيل لها في أرجاء لبنان وفئات شعبه لا تنجو منها سوى قطاعات ضيقة ضئيلة، إما لاندفاعها في نضال ديني الطابع في الغالب يؤمن لها على هامشه حداً من مقوّمات المعيشة، وإما لانتمائها إلى طبقة تستفيد من الأوضاع مستندة إلى ثروات وإمكانات بتصرفها.

في المقدمة القلة غير الشاكية أصحاب المصارف. يدين لهم نحو 750 ألف لبناني اقترضوا من مصارفهم، وكذلك الدولة مدينة لهم بكثرة. وأيضاً أصحاب الجامعات والمدارس والمستشفيات وسواها، سواء أكانوا تابعين لمؤسسات دينية أم يعملون لحسابهم. أما بقية قطاعات العمل فجامدة جموداً مخيفاً وبعضها يستحق الشفقة. وبالكاد يحرك الاقتصاد بعض المقتدرين ومال الخارج، من مغتربين وغيرهم.

يجب أن يُضاف إلى الجردة المال الإيراني وتسهيلات “المقاومة” التي تؤمن بعض الحركة التجارية. وعوائد وظائف الدولة التي توفر أسباب الحياة لفئة من اللبنانيين، وإن لم تكن تلك الحياة الرغيدة. وأموال الخروج على القانون كالمخدرات و”التبييض” والأعمال الأخرى المحمية التي لها أربابها. وطبعاً أموال “النهب” المحمي من التزامات وتعهدات وصفقات تمر عبر الحكومة التي أجاد رئيسها تمام سلام في وصفها بأنها الأكثر فساداً في تاريخ لبنان (“مرّقلي لمرّقلك”، لم يسبقه إليها أحد). وأيضاً رواتب وتعويضات خيالية في بعض مؤسسات الدولة، المدنية وغير المدنية، لا تجد من يسأل عن العدل فيها وضرورة إعادة النظر فيها في بلد فقير عملياً كلبنان.

يقذف هذا الواقع المرير عشرات آلاف الشبان والشابات المتخرجين من الجامعات والمعاهد سنوياً إلى الهجرة أو تحمل البطالة، أو العمل الأشبه بالبطالة. ظاهرة تذكّر بموجات الهجرة الرهيبة التي ضربت اللبنانيين قبل الحرب العالمية الاولى وخلالها. وصلت البطالة إلى 33 في المئة من اللبنانيين بحسب بعض الإحصاءات ولا أحد يشغل باله في المسماة بدولة لبنانية أو من السياسيين بشيء اسمه ضرورة وضع خطط واستراتيجيات من أجل خلق فرص عمل. للشباب على الأقل.

يساهم في تعميم الإحباط، فوق هذا العامل، شعور المواطنين بغياب أي سقف يحميهم ويغطيهم، ليس للوصول إلى حقوقهم بل حتى للمطالبة بها.

عَراء الدولة في غياب رئيس للجمهورية وبرلمان يعمل وحكومة تجتمع وتقوم بواجباتها، يزيده مأسوية انحدار من يمارسون السياسة، سواء أكانوا شخصيات أم أحزاباً، إلى اعتماد سياسة “الوصول” والصراع على منافع المواقع التي يتطلعون إلى الفوز بها، وليس محاولة إنقاذ المواطنين والبلاد من مصائب واقعة. بل إن بعض السياسيين يوحي أنه قدم حديثاً إلى عالم المال، واكتشف متأخراً قدرته على فعل المعجزات في الناس عندما يتحوّلون أشبه بمتسوّلين على أبوابهم، أصحاب حاجات وطالبي خدمات هي حقوق لهم من الدولة في الأساس.

 لم يعد يشبع هذا البعض من السياسيين البارع في إطلاق شعارات التحريض الفارغة من مراكمة الثروات في سرعة قياسية، وبفجور قلّ نظيره. وما مَن يسأل “من إين لك هذا؟”. فوق هذا الانهيار الأخلاقي المريع في العمل السياسي، تتنافس وسائل الإعلام ببرامجها وإنتاجاتها وإثاراتها ومقارباتها للمواضيع على بلوغ قاع المنحدر بأسرع وقت ممكن. لكأن “تتفِيه” كل شيء في هذه البلاد على حساب الثقافة والذوق ومستوى الإنسان الفكري وتاريخ لبنان المشعّ، مهمة مطلوبة وبإلحاح من هذه المؤسسات. يشعر المواطن العادي في هذا الوضع بأنه معزول ومُستفرد.

 وحده يتخبط في مشكلاته الكبيرة والصغيرة، من أقساط متوجبة الدفع، وبطالة صريحة أو مقنعة، وصعوبة الحصول على حقوقه، وبأنه محكوم في الوقت نفسه بأن يتفرج على “خناقات” سياسيين يعيشون في أبراج عاجية عالية، وإن كان يؤيد هذا أو ذاك منهم. فهموم هؤلاء وتطلعاتهم وحساباتهم مختلفة تماماً، غريبة عن عالم الناس العاديين. مثلاً: الميثاقية وحقوق المسيحيين تتأمن بعودة الجنرال ميشال عون إلى قصر بعبدا. الجنرال عون أصلح للرئاسة أو النائب سليمان فرنجية؟

الناس قرفت ولا يطلع بيدها شيء. لم يكن ينقص سوى تأكيد الرئيس نبيه بري أن الإنتخابات النيابية ستحصل بالتأكيد في أيار المقبل.

يعني ذلك أن الأحزاب والشخصيات السياسية، في الأسابيع والأشهر المقبلة، ستسابق هواء لبنان في حمل روائح النفايات الكريهة إلى أنوف مواطنيه.